قالت: «العفو، سل ما تشاء.»
قال: «كنت في ضيق حتى كدت أدنو من الخطر، فخرج من هذا القصر فارس أنقذني من الموت، وكان ملثما فلم أعرفه، ولما أردت سؤاله عن ذلك لم يجبني بشيء، فاقتفيت أثره حتى دخل هذا البستان، ثم رأيته يترجل ويدخل هذا القصر.»
فأطرقت الفتاة برأسها إلى الأرض، وعلا وجهها الاحمرار ولم تبد جوابا، وأخذت تسلي نفسها بثني أطراف ثوبها بين أناملها، فارتاب غريب، وندم على ذلك السؤال بعد أن قالت له إنها وحيدة، وليس في البيت الآن أحد من الرجال.
واستأنف غريب الحديث قائلا: «اعذريني، لأني سألت سؤالا ربما لم يكن يليق بي أن أذكره، فأسألك الصفح والمعذرة.»
فرفعت رأسها، وأجابته قائلة: «عفوا، فإنك لم تقل إلا كل ما هو لائق، وجدير بأن يقوله شاب مهذب مثلك.»
فخجل غريب من هذا المديح وأطرق.
فقالت الفتاة: «أما سؤالك عن الفارس الذي خرج من هذا البيت لمساعدتك، ثم عاد إليه، فسأجيبك عنه في فرصة أخرى إذا قدر لنا أن نتقابل مرة أخرى.»
قال غريب وقد هاجت عواطفه: «إذا كان لقاؤنا لا يتكرر ثانية إلا بمعركة مثل التي دعت إلى اجتماعنا هذه المرة، فحبذا المعارك.»
فسكتت الفتاة، ولم تبد جوابا.
وبقي الاثنان صامتين مطرقين لا يبديان حراكا، ثم تذكر غريب والديه بغتة وخشي أن يستبطئاه، والشمس قد مالت نحو الغروب، كما خطر له أيضا أن وجوده مع هذه الفتاة في ذلك القصر منفردين ربما أدى إلى شبهة تضر بالفتاة، فنهض مستأذنا ونهضت لتشييعه، فلمس يدها مودعا، فدعت له بالسلامة، ثم قالت له: «ألا تخشى أن يعود هؤلاء الأشقياء ثانية؟» فقال لها: «لا بأس علي بإذن الله.» فخرج من البيت وكأنه قد نسي شيئا عزيزا عليه هناك، فوجد الخدم قد أعدوا له الجواد فركب وسار قاصدا بيت الدين، وقبل أن يتوارى عن القصر نظر إليه فإذا هو بالفتاة تنظر إليه من إحدى نوافذه، فسار وهو مشغول الفكر بها، وتملكه إحساس لم يكن يحس به من ذي قبل، ورأى في نفسه ميلا شديدا إليها، وإلى المعيشة معها، ثم تذكر أن والدته ذكرت له فتاة كانت تريد أن تزوجه بها قبل سفره إلى عكا، وخشي ألا يميل قلبه إلى التي اختارتها والدته فيبقى مقيدا هنا، وعند ذلك ربما تؤدي به عواطفه إلى مخالفة أمر والديه، في حين أنه يود أن يذعن لرغباتهما ويطيعهما في كل شيء. وسار وهو على هذه الحال من التردد تتقاذفه أمواج الفكر، حتى وصل إلى بيت الدين فوجد والديه ينتظرانه بفارغ الصبر، فلما لاقياه قبلاه ورأياه متغير الوجه، تبدو عليه مظاهر الارتباك.
ناپیژندل شوی مخ