عصر البطالسة
من سنة 306ق.م إلى 30ق.م
لم يذكر قدماء المؤرخين أي رقم نقف منه على مقدار الخراج في هذا العصر، ومع ذلك فسنبذل الجهد للوقوف عليه بالاستنتاج مما رووه لنا.
ذكر ديودور وهو المؤرخ الذي زار القطر قبيل نهاية هذا العصر في «الكتاب الأول، الفقرة 73» أن الأراضي كانت مقسمة إلى ثلاثة أقسام؛ فالقسم الأول وهو أكبرها كان للكهنة، وكان إيراده يدفع ثمنا للذبائح التي تقدم قرابين في أنحاء القطر كله، والقسم الثاني كان ملكا للتاج، وكان الملك ينفق من إيراده في الحروب، وما يلزم لحفظ أبهة بلاطه وعظمته، وبواسطة دخله العظيم كان في استطاعته أن يكافئ الذين يمتازون عن غيرهم بعمل من الأعمال المجيدة، وذلك بدون أن يلتجئ إلى إرهاق الأهالي بفرض ضرائب باهظة عليهم، والقسم الثالث كان يمتلكه رجال الحرب الذين كانوا بالنسبة إلى مركزهم الممتاز ولما يتمتعون به من الفوائد مضطرين أن يلبوا كل نداء يوجه إليهم، ويكون له اتصال بالخدمة العسكرية. ا.ه.
ثم ذكر ديودور في «الفقرة 74» أن المزارعين كانوا يستأجرون الأراضي الخصبة التي في حوزة الملوك والكهنة ورجال الحرب بإيجار زهيد، وكانوا في سائر الأزمان يستخدمون في فلاحتها.
ويتضح من ذلك أن توزيع ملكية الأراضي لم يسر على وتيرة واحدة في كل من عهدي الفراعنة والبطالسة؛ فقد كانت الأطيان توزع على الأهالي في العصر الأول كما ذكر هيرودوت عند الكلام على هذا العصر، بينما كانت ملكيتها في العصر الثاني تنحصر كما ذكر ديودور في ثلاث طبقات؛ هم الكهنة والملوك ورجال الحرب، أما الأهالي فما كانوا إلا مستأجرين لها.
ويظهر أن الخراج في هذا العهد لم يكن سائرا على الطريقة التي كانت متبعة في عصر الفراعنة؛ إذ بينما يقول هيرودوت: إن أراضي الكهنة ورجال الحرب كانت معفاة منه في عصر الفراعنة، يقول لمبروزو في الصفحة 293 من مؤلفه: إن الكتابة التي على حجر رشيد (عام 196ق.م) - أي في أواسط عهد البطالسة - تنبئ بأن الحكومة كانت تجبي إرتبا واحدا عن كل أرور من أراضي الكهنة المخصصة للزراعة، أي خمس إردب عن كل 15 قيراطا و18 سهما، أو بعبارة أخرى ثلاث كيلات ونصف كيلة (
لترا) عن كل فدان تقريبا.
فإذا قدرنا متوسط محصول الفدان بعشرة أرادب كما هو الحال في عصر الفراعنة - وليس يوجد ما يمنعنا من هذا التقدير - كانت نسبة الخراج على الأراضي الممتازة 3٪ تقريبا.
ويظهر أن هذه النسبة مع كونها فرضت على أراض حفتها نعمة الامتياز منخفضة جدا، ومع ذلك فلا يجوز لنا استصغارها، لا سيما أنه لا يعزب عن بالنا أن الملوك كما روى ديودور كانوا يمتلكون جزءا من ثلاثة أجزاء من الأرض، وكانوا لا ينفقون من ريعه إلا في حوائجهم التي كانت قليلة، وأن طبقتي الكهنة ورجال الحرب كانتا تنفقان من ريع الجزأين الباقيين فيما يلزم محال العبادة والحروب، وبهذه الطريقة لم يكن الملوك في حاجة إلى دخل جسيم؛ ولذلك نرى إيرادات مصر وفي جملتها الخراج أقل كثيرا في عصر البطالسة منها في العصور الأخرى.
ناپیژندل شوی مخ