فضحك المركيز وقال: إنكم معشر الأطباء تنهون عن الخمر وتشربونها.
قال: إن الطبيب يصف الدواء، ولكنه لا يشربه.
ثم أخرج من جيبه زجاجة صغيرة فوضعها على المستوقد وقال: لنبدأ بالترتيب.
قال: ما هذا؟ - دواء عجيب. - لا أظن أنه لي فإني في أتم عافية. - هو ذاك. فإنك في عافية أتمنى لك دوامها ومع ذلك فإني أحضرت هذا العلاج خصيصا لك. - كيف ذلك؟
فتكلف الطبيب هيئة الجد وقال له: إني أتيت إليك أيها المركيز لمباحثتك في شئون خطيرة؛ فابتسم المركيز وقال له ممازحا: إنه إذا كانت حكاياتك خفية كدوائك فإني سأرتعد من الرعب. - إن الحكاية تبدأ منذ سبعة عشر عاما. - إذن إنها من حكايات العهد القديم. - كلا أيها المركيز، فإنك أخص رجال حوادثها. - إذن قصها علي فقد بدأت أهتم لها. - إن حوادثها جرت في كلكوتا عاصمة الهند في عهد اللورد أبيك، فقد دخل رجلان في ليلة حالكة الأديم إلى سراي أبيك وسرقا منها غلاما. - من هما؟ - من طائفة النور. - من كان الغلام؟ - أنت. - يظهر أنهما لم ينجحا فإني أمامك. - بل إنهما نجحا؛ فإنه حين أشرقت الشمس كنت في مضارب النور على قيد ست مراحل من قصر أبيك. - إنها حكاية غريبة. - ولكنها أكيدة. - غير أنه لم يذكرها لي أحد قبلك. - لأنه لم يكن يعرف هذا السر غير ثلاثة، وهم العبد الذي كان ساهرا عليك حين رقادك وأبوك وأنا، وقد مات أبوك والعبد فلم يبق غير أنا من الواقفين على هذا السر. - لكن أي غرض للنور من اختطافي؟ - إنهم كانوا يريدون إبقاءك عندهم رهينة كي يساوموا بك على افتدائك بمبلغ عظيم. - أفعلوه لمجرد الكسب؟ - بل للانتقام أيضا؛ فإن أباك كان قد طردهم من كلكوتا، وفي الليلة التالية دخل اثنان إلى الخيمة التي كنت مسجونا فيها وهما مسلحان فتمكنا من إنقاذك، وكان هذان الرجلان أباك وأنا، ولكن النور كانوا قد وشموا كتفك الأيسر بعلامة طائفتهم. - أهي هذه العلامة الزرقاء التي أراها على كتفي ولا أعلم كيف أتت؟ - نعم هي هذه العلامة التي طالما اضطرب لها أبوك؛ إذ كان يخشى أن يجيء يوم يحسبون فيه أن المركيز روجر دي إسبرتهون نوري.
فوقف المركيز منذعرا وقد نظر إلى الباب الذي خرجت منه مس ألن فلم تخف هذه النظرة على الطبيب، ولكنه كان قد اندفع في الحديث ولم يجد بدا من إتمامه، فقال: نعم إن هذا الخاطر كان يعذب أباك، حتى إنه جرب جميع أدوية الهند لإزالة هذا الوشم فلم يتمكن من إزالته. - ما هذا الخاطر الغريب؟ ومن الذي يجسر على الشك بنسبي؟ - ألا تعلم أن من كان له نبلك وثروتك يكثر حاسدوه؟ - ربما، ولكن ما العمل وهذا الوشم لا يزول؟
فقال له بصوت منخفض: إني أبحث منذ عشرين عاما عن دواء يزيله فلم أهتد إليه إلا منذ يومين. - إذا كان ذلك أيها الصديق فهلم وجربه بي فإن الهزء والفضيحة لا يجب أن ينالا أمثالي. - إذن سأزورك في كل ليلة ساعة رقادك وأستعمل هذا الدواء، ورجائي أن يزول الوشم في مدة أسبوع فلا يبقى له أثر. - على الرحب، فتعال للعشاء معي في كل مساء، وسنبدأ من هذه الليلة.
والآن أرجوك أن تدعني وحدي هنيهة في هذه القاعة؛ فإن لدي أوامر مستعجلة أريد إصدارها.
فوضع الطبيب الزجاجة في جبيه وقال له: وأنا أيضا مضطر إلى الانصراف لعيادة مريض في هذا الشارع. - اذهب أيها الصديق وعد بعد ساعة؛ فإني أنتظرك. فخرج بولتون حتى إذا وصل إلى ردهة القصر أخرج من جيبه قفازا كان قد لقيه على الكرسي الذي كان جالسا عليه ونظر فيه فوجده قفاز امرأة فضرب الأرض برجليه مغضبا وقال: لقد عرفت الآن ما هي هذه الأوامر التي يريد إصدارها.
وقد خرج من القصر فلم يسر بضع خطوات حتى وقف إذ وجد مركبة تنتظر على بعد عشرين خطوة من باب القصر.
ناپیژندل شوی مخ