فابتسم وقال له: إذن أنت غير آسف على الزمن القديم حين كنت ترتزق من سرقة كلبك.
قال: كلا أيها الرئيس، ولكن. - ولكن ماذا؟ - ولكني يخطر لي أحيانا بعد هذه السعادة أني وحدي. - تزوج. - كلا. ليس هذا الذي أعنيه، فقد مت مرة بالزواج، ولا يشتهي الموت من ذاقه، ولكنني نادم لأني بعت بنتي؛ فإنها من دمي، وإني أحن إليها. - إذن أنت تريد أن تراها. - وا أسفاه! كيف السبيل إلى ذلك وأنا لا أعلم ما جرى لها ولا أعرف اسم الرجل الذي أخذها مني. - إن لندرا كبيرة، غير أن من يبحث يجد. - أحق ما تقول يا سيدي؟ - إنك علمت بالتجربة أني حين أتولى أمرا لا أخيب. - إنها تبلغ الآن الحادية والعشرين من عمرها إذا كانت لا تزال باقية في قيد الحياة، وقد كانت تشبه أمها، فهي لا بد أن تكون من أجمل الفتيات، فإذا اشتغلت معي راجت تجارتي أعظم رواج. - لقد عرفت الآن معنى حنوك الأبوي، ولكني سأجد بنتك، فهل هي موسومة بعلامة طائفتنا؟ - دون شك، فقد وسمتها حين ولادتها. - أليس لها علامة أخرى؟ - نعم. فقد عضها الكلب في حداثتها، ولا بد أن يكون أثر هذا العض باقيا بين الإبهام والسبابة. - حسنا فسأبحث عن بنتك، ولكني أشترط شرطا. - ما هو؟ - هو أني حين أرشدك إليها وأقول لك هذه هي بنتك تطالب بها. - هذا لا ريب فيه.
فودعه وانصرف.
وفي اليوم التالي دخل ليونيل في فرقة المركيز، وقد أحسن استقباله وعينه ضابطا، وجاءت أمه من الريف فأقامت متنكرة في لندرا، فلم يكن يعرف أمرها غير السير روبرت.
وأما السير جيمس ابن عم المركيز فقد كان أسفه عظيما لخيبة مساعيه، فصبر حتى اطمأن وأيقن أن ابن عمه لم يعلم شيئا من حقيقة أمره، فعاد إلى الكيد له، وأغرى رجلا مشهورا بالمبارزة ورشاه بالمال كي يبارز المركيز. ولم يقتصر على ذلك، بل إنه اشترى حساما مقلدا من نوري - وهو سيف ينكسر لأول صدمة - وأهداه إلى ابن عمه المركيز.
وكان عثمان قد عرف بأمر المبارزة وعلم من النوري سر السيف، فذهب إلى المركيز وسأله أن يجعله من شهوده ففعل.
وفي اليوم المعين للمبارزة أبدل سيف الرجل بسيف المركيز المقلد، وجرت المبارزة، فدارت الدائرة على الرجل، فأخبره عثمان بحكاية السيف المقلد، ولكنه كتم عنه مكيدة ابن عمه، فشكره المركيز شكرا حميما إذ أنقذه مرة ثانية من الموت، ولكنه كان شديد الاضطراب؛ إذ أيقن الآن أن له عدوا هائلا، ولكنه لم يعرف هذا العدو؛ فإن عثمان أبى أن يخبره عنه مدعيا أنه لم يعرفه بعد.
غير أنه قال له: اطمئن؛ فإذا كان لك عدو، فلك كثير من الأصدقاء، وإن عيونهم لا تنام.
فلم يكن هذا الكلام إلا ليزيد هواجس المركيز؛ فإنه لم يفهم سبب هذه الصداقة ولا ذاك العداء.
بعد حادثة الوحش بثمانية أيام كان عثمان يسير مسرعا على ضفة نهر التيمس إلى أن دخل إلى مكان معين، فالتفت إلى ما حواليه ليرى إذا كان يتبعه أحد، فلما لم يجد ما يريبه صفر صفيرا خاصا بفمه، ثم اتشح بردائه ووقف ينتظر.
ناپیژندل شوی مخ