في شعور كورش أنه ابن الملك قمبيز
أما «كورش» فإنه استمر على البكاء والنحيب، وإنشاد الأشعار والتغزل في تلك الفتاة، وقد ترك الدروس، وركوب الخيل، وأحب الاعتزال، وانقطع عن مجالسة الناس، وصار لا يريد أحدا يدخل عليه سوى «روبير»؛ لأنه كاتم أسراره وشريكه في مصابه. ولم يزل على هذا الحال إلى أن جاء الوزير، ودخل إلى القصر فخرج «كورش» لملاقاته، وقبل يديه ودخلا الحجرة المعدة للوزير فجلس، وأمر «كورش» بالجلوس فجلس، وقد تحير الوزير لما رأى من تغير «كورش» ونحفه ونحول جسمه، وذبول تلك الطلعة الباهرة، فقال له: ما الذي نزل بك يا ولدي؟ ومالي أراك متغير اللون والجسم؟ فإني أراك على غير هيئتك الأولى، فما تشكي؟ أخبرني أيها العزيز إن كان ألم بصحتك شيء أوجب هزالك حتى أتلافاه قبل أن يستفحل.
قال: صحتي - ولله الحمد - في غاية الجودة، وليس بي شيء يكدرني ما دمت تحت رعاية مولاي.
فسكت الوزير، وبعد هنيهة قام واختلى «بفانيس»، وسأله عن حالة «كورش»، ولماذا هو بهذا النحول والكآبة؟ هل بلغه أنه ابن «قمبيز» وسمع بقتل أبيه؟ أخبرني يا فانيس؛ لأني تكدرت جدا مما رأيت من حالته؛ لأنه يهمني كما أهتم لنفسي، وأحرص على حياته أكثر مما أحرص على ذاتي.
قال فانيس: والله يا سيدي قد أعيتني فيه الحيل واحترت في أمره، ولم أعلم له سرا، ولقد هممت أنا و«بركزاس» أن نرسل لسيدي خبرا بما هو حاصل، فمنعنا «روبير» حيث إنه يعلم بأسراره على ما أظن؛ لأنه يحب أن يختلي به دائما دون غيره، حتى صرنا إذا دخل منا أحد عنده نراه يتضجر فنتركه وشأنه مع «روبير»، ولو أن في هذه الجهة من يليق لأن يعشق لظننت أنه عاشق.
قال: يا «فانيس» ارصدوا الغلام وهو في خلوته واسمعوا ماذا يقول، ولا تجعلوه يشعر بأمر ما.
فقال: سمعا وطاعة.
ثم انصرف الوزير بعد أن أوصى «بركزاس» و«فانيس» على مداراته والمحافظة عليه وعلى راحته، وأن يقوه بأنفسهم، ودائما يستطلعوه على أخباره. وكانوا هم الثلاثة يحبونه حبا لا مزيد عليه حتى إنهم يودون لو يفدونه بدمائهم وأرواحهم إلى أن حدث له ذلك الحادث فاضطربت قلوبهم، وكادوا يذوبون أسفا وحزنا عليه، واجتهدوا بتسليته والاستطلاع على سره، فلم يجد ذلك نفعا. وبعد ذلك تركوه آسفين، وجهدوا بكشف هذه الغمة إلى أن جاء الوزير، وحصل ما تقدم ذكره. ولما جاء الليل ونام الناس قام «بركزاس» وصار جهة غرفة «كورش»، ووقف حزاء النافذة فسمع أنينا، وتصاعد زفرات وبكاء ونحيبا، وصوتا رقيقا يترنم بما معناه:
لا تخش يا ربع الحبيب همودا
فلقد أخذت على الوداد عهودا
ناپیژندل شوی مخ