وودع الصغيران الوالد على مسافة قريبة من فلا ماري تريزا، كأنهما طفلان قد أخذا يوم عطلة، وقال الخطيب: سوف لا نعود قبل السادسة، نرجو ألا يساورك القلق علينا.
فرد كريستوف بابتسامة: سأحاول هذا.
وسار الاثنان بسرعة حتى اختفيا عن أنظار الوالد؛ فقد كانا يرغبان في مفارقة بادن بادن وأوساطها الاجتماعية، وغاية ما يطلبان هو أن يبتعدا عن العالم، والناس، وأن يجلسا وحدهما تحت شجرة وارفة، سارا طويلا وبسرعة كأنما كانا يركضان، ولم يتخلل سيرهما غير بضع أسئلة عادية ، فكان يسألها: هل أنا سائر بسرعة زائدة؟
فترد محتجة: أوه! لا.
فيقول وقد كررها مرارا: هل تعبت؟ - نعم، تعبت.
وكانت قد تعبت حقا، وانتظرت من مدة طويلة أن يسألها هذا السؤال. وجاء إلى مكان قطعت بضع شجيرات منه وألقيت على الأرض كأنما خصصت لجلوس العاشقين، فنظر سيرل إلى فيرونيك بحزن فضحكت في وجهه بمرح، ثم قالت: إنها مريحة بقدر الإمكان.
وجلسا متجاورين، وساد بينهما السكوت مدة طويلة، فكانت تعبث بطرف حذائها ترسم خطوطا على الأرض، وكان هو يحدق في وجهها بإعجاب وشغف، وحدث أن رفعت بصرها إليه، وقد تعجبت من طول صمته إذ كانت فيرونيك فتاة ساذجة كالطفلة البريئة، لا تدرك كثيرا من شئون الحب ولا أساليب المحبين، ولكنها رغم سذاجتها أحست بمعنى نظرته، فتخضب خداها بلون الورد، وفي اللحظة التالية كانت بين ذراعيه ولقنتها شفتاه أول درس في الحب.
وكان سيرل برتراند أستاذا ماهرا؛ فقد كان يحبها منذ وقت طويل، وكان يتمنى هذه اللحظة السعيدة من كل قلبه، ومر وقت دون أن يروي ظمأه، وأفلحت هي في أن تخلص نفسها من هذا الاحتضان العنيف، فسألها ذلك السؤال الذي يدور على شفتي كل محب: فيرونيك، خبريني هل أحببت قبل الآن؟ - لا، لست أظن ذلك.
ولقد قالتها بلهجة أشعلت الغيرة في نفسه، فسألها: ماذا تعنين بقولك إنك لا تظنين ذلك؟
فقالت محتجة: لأنني كنت قد أعجبت برجل مرة، أعني أعجبت به شيئا ما أكثر من أي رجل رأيته من قبل، إلا والدي طبعا.
ناپیژندل شوی مخ