فجاهد سيرل ليقول وعلى فمه ابتسامة مضناة: لا، لا، لست أريد طبيبا، بل أعطني قطرة أخرى من البراندي فإنه ينفعني، وسوف أذهب إلى صيدلي المدينة لمعالجتي.
وكان هذا ختام الحادث؛ فقد عالج الصيدلي يد سيرل من إصابتها الخطرة ثم لفها له.
وفي نفس اليوم سافر الصديقان بقطار الثالثة بعد الظهر إلى ستراسبورج، وكانت يد سيرل مغطاة باللفائف غير أنه كان أكثر بهجة مما كان قبلا، ولكن فريزن ظل في تفكيره وهو يقول لنفسه: «إني أظن أن الدم الإنجليزي فيه، إن هؤلاء الإنجليز جميعا مجانين!»
الفصل الحادي عشر
وحلت الليلة الموعودة، واجتمع في صالون السيدة البرنسيس - قبل ميعاد توقيع العقد بنصف ساعة - مندوبو قداسة البابا وجلالة إمبراطور أوستوريا، وغير هؤلاء من عظماء أوروبا وملوكها؛ فهذا ممثل ملك بروسيا، وذاك ممثل ملك بافاريا وقيصر ... وملكة إسبانيا، ثم دوق بادن العظيم، وكثير من أعضاء الأسر الأرستقراطية في أوروبا، حتى لقد ازدحمت بهم جميعا قاعات الاستقبال في فلا إليزابث.
وكان كل هؤلاء في شوق شديد لرؤية جلالته؛ فقد كانوا جميعا لا يعرفونه. وفي التاسعة تماما دخلت إليهم السيدة البرنسيس دي بوربون، فحياها كل مدعويها بالتحية الجليلة التي يقابل بها الملوك عادة، وكانت مصفرة الوجه كأنما تقاسي اضطرابا عصبيا، غير أن سيماء العظمة لم تفارقها، وكانت ترد على من يسألها عن صحة جلالته بأنه قد تحسن جدا من إقامته في سويسرا، حتى إنه قد زاد وزنه وامتلأ جسمه، حتى لأصبح متغيرا في نظر أصدقائه وأمه.
وذكرت لبعض سائليها أن جلالته قد أصيب في يده من حادث بسيط منذ يومين عندما كان يصطاد، واستفاضت السيدة في الحديث عن هذا الموضوع مع عمدة بادن بادن ووكيل قنصل فرنسا، وذكرت لهما أن جلالته لن يستطيع أن يمسك قلما بيده المصابة، وسألتهما عما يمكن عمله بالنسبة لتوقيع العقد، فأكد لها كلا السيدين أنه ما دام جلالته يضع أي علامة فوق العقد ثم يوقع معه شاهدان، فإن العقد يصبح قانونيا، على أن يتمه جلالته فيما بعد عندما تبرأ يده بوضع توقيعه الكريم عليه.
وأعلن قدوم البارون كريستوف، فدخل متأبطا ذراع ابنته، ولقد كان جمالها في تلك الليلة باهرا جليلا، فتقدمت بخطوات هادئة نحو السيدة وانحنت أمامها باحترام، ثم قبلت يدها الممدودة إليها، فأخذت السيدة تلك الفتاة المحمرة الوجه إلى صدرها ثم قبلتها بعطف فوق خديها.
وبعد هنيهة فتح الباب الكبير على مصراعيه، وأعلن صوت مرتفع: «سيداتي، سادتي! صاحب الجلالة الملك»، وسرت في الحجرة همسة تشبه التنهد العميق، وتحولت أنظار الجميع بلهفة نحو ملك فرنسا، وكان له في الواقع هيئة جليلة ملكية، وشعر بعض عارفيه بالغبطة لما بدا عليه من تحسن في صحته، وفعلا فقد كبر جسمه، وبان كأنه قد طال شيئا ما عن ذي قبل، وكان وجهه نشطا ممتلئا بالقوة والحيوية، وقد لاحظ الكثيرون شدة الشبه بينه وبين والدته الكريمة؛ فقد كان له لون عينيها السوداوين وشعرها الكستنائي الغامق.
وكانت يد جلالته اليمنى مربوطة باللفائف، ولذا فقد قبل الجميع يده اليسرى.
ناپیژندل شوی مخ