الماضى وليس من وضعه إعطاء الدوام فى الأكثر إذ قد يقول فعلت من أوقع الفعل مرة واحدة وأخبر تعالى عن قولهم لإخوانهم وشياطينهم بقولهم: "إنا معكم إنما نحن مستهزئون " فجاؤوا بالاسم إعلاما بصفتهم التى هم عليها مستمرون فكذا هذا الاخبار الواقع هنا فى هذا النقصود من التمادى والاستمرار حين قال هود ﵇: "وأنا لكم ناصح أمين " فجاء الاسم فانتفى ما رموه به من السفاه جملة وقابل ﵇ مقالهم الشنيه بخبره الصادق عن نفسه فرد مقالهم ولم يكن الفعل يحرز هذا القصد كما أحرز قول نوح ﵇: "وأعلم من الله مالا تعلمون " الإخبار عن نفى ما رموه به جملة فجاء كل على ما يجب والله أعلم.
ومما يسأل عنه فى هاتين الآيتين أن نوحا وهودا ﵉ إنما دعوا إلى العبادة قوما كفارا فى قصة نوح ﵇: "قال الملأ من قومه " وفى قصة هود ﵇: "فقال الملأ الذين كفروا من قومه " فوسموا بالكفر بخلاف قوم نوح؟ ﵇ من قوله: "إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " وخوفه من تعذيبهم إنما كان لكفرهم ولم يقع ذلك فى دعاء هود لأن قوله: "أفلا تتقون " ليس فيما يعطيه من التخويف فى قوة: "إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " إذ قد يؤمر بالتقوى المؤمن ويقال للعاصى بصغيرة أفلا تتقى فلما كان فى دعاء نوح ما يشير إلى الكفر ويدل عليه اقتضى الإيجاز الاكتفاء بذلك ويشهد لهذا أن قصة صالح وقصة شعيب الوارد فيهما الدعاء إلى الإيمان على هذا المنهج لما لم يقع فى دعاء هذين النبين ﵉ ما وقع فى دعاء نوح ﵇ مما ينبئ بالكفر ورد فى حكاية مقالة قومهما ما يحصل منه ذلك المقصود وذلك قوله تعالى: "قال الملأ الذين استكبروا من قومه " وذلك جار من الواقع فى قصة هود من غير فرق لأن استكبارهم عن إجابته والإيمان به كفر والله أعلم بما أراد.
الآية العاشرة
قوله تعالى: " فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤) " وفى سورة يونس: " فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) "ففيهما أربع سؤالات يذكر كل سؤال منها متصلا به فى جوابه.
الأول قوله "فأنجيناه "وفى الثانية "فنجيناه "فاختلف نقل الفعل بالهمزة فى