كانت الساعة الرابعة إلا الربع عصرا، وبعد أن زودت إطاري دراجتي بالهواء، ذهبت إلى دار المسنين، ولكني لم أجد أبي في غرفة الانتظار. وجدته في حجرته محدق العينين.
لم يستجب لندائي، فناديته مجددا، لكن عينيه بقيتا محدقتين دون أن يعطي أي استجابة. تأكدت من أنه ما زال يتنفس؛ فبالفعل كان قفصه الصدري يعلو وينخفض. مع ذلك تسارعت دقات قلبي؛ لأن صوتي لم يصل إليه بالرغم من رفع صوتي، وظننت أنه قد أصابته صدمة أو ما شابه، ولكنه في المرة العاشرة أو الحادية عشرة من النداء اهتز ونظر إلي مشدوها، وكأنه يعجب كيف وصلت إلى سريره فجأة، سألته وأنا مضطرب عن حاله، فهز كتفيه وقال: «أتمنى أن أكون بخير.» •••
إن كل حكاية هي بمنزلة «بروفة نهائية» للموت؛ لأن كل حكاية لا بد أن تنتهي، إلا أن الحكي يعيد الأشياء الضائعة، عندما يحكيها.
أو كما قال شكسبير: «دعنا نجلس على الأرض ونحك قصصا حزينة عن موت الملوك.» •••
بعدها جلست على الكرسي ونظرت عبر النافذة إلى شارع لاوتراخ، حيث تمر سيارة من وقت لآخر، وسألت أبي إذا كان يرغب في الذهاب معي إلى الخارج، ولكنه لم يرد ذلك، حاولت أن أغريه بالجلوس في الهواء الطلق، لكن الفكرة لم ترق له. «أترغب في الخروج معي يا أبي؟ يمكننا التنزه قليلا.» «إلى أين؟» «نتنزه في الخارج، بالحديقة.» «لا أريد.» «إلى فولفورت إذن يا أبي.»
نظر إلي وهز رأسه بالموافقة، وقال مبرهنا على أن قلبه ما زال يعرف ما يعشق: «هذا بالتأكيد أمر مختلف.»
قام وذهب معي إلى الباب، ولسعادتي بأنه ما زال حيا علقت يدي في يده. •••
كلما ابتعد المرء عن موطنه شعر بأنه عاش فترة أطول، وإذا طبقنا ذلك على أبي فإن حياته حتى بداية الحرب كانت قصيرة، ثم طالت لفترة قصيرة، ثم قصرت لفترة طويلة، ومع إصابته بمرض ألزهايمر عادت طويلة. •••
جاء أحد النزلاء وقال لي إن قصة «الذئب والصغار السبعة» تحكي عن قتل الصغار، فرددت عليه بأنه ربما يكون محقا، وأنه علي أن أفكر في الأمر.
تبع أبي الرجل بعينيه وكأنه لم يره من قبل، ثم نسيه بعد ذلك. •••
ناپیژندل شوی مخ