ونحن نعلم أن العرض ينقسم إلى ما يعبّر عنه بأنه اختصاص جوهر بحيزه وإلى ما لا يعبّر عنه به. واختصاص الجوهر بحيزه ينقسم بالضرورة إلى ما يكون في حالة واحدة والى ما يكون فن أكثر. والذي يكون أكثر ينقسم إلى ما يزيد على حالتين وإلى ما لا يزيد. والذي يكون في حالتين ينقسم إلى ما يكون في حيز واحد وإلى ما يكون في حيزين، وكذا ما يكون في ثلاثة أحوال فصاعدًا ينقسم إلى ما يكون في حيز واحد وإلى ما يكون في ثلاثة أحياز. فقد حصل هاهنا للعقل خمسة أقسام كون في حالة وكون في حالتين في حيز واحد وكون في حالتين في حيزين وكون في ثلاثة أحوال في حيّز واحد وكون في ثلاثة أحوال في ثلاثة احياز. وكانت الألفاظ ثلاثة والأقسام خمسة فاختلف الناس في إطلاق تلك الألفاظ على هذه الأقسام. فقال فريق وهو الأقرب إلى الحق، واعني بالحق هاهنا تقريب التعريف والاصطلاح، وإلا فليس في هذا النظم رسم معنوي وإنما هو بحث عن اللفظ الفاشي يعبر بالسكون عن الاختصاص بحيز في حالتين متواصلتين فصاعدًا، وبالحركة عن الاختصاص بحيزين في حالتين متواصلتين فصاعدًا، وهؤلاء لم يسقوا الجوهر في أول حدوثه لا ساكنًا ولا متحركًا فثار عليهم من يأخذ الأمور من بُعد. فقال هذا يؤدي إلى أن يكون جوهر غير ساكن ولا متحرك وهذا محال، والمؤدي إلى المحال محال فسلم الكلام المشهور بين المتكلمين أن الحركة والسكون يتقابلان لا ينفك الجوهر عنهما. ولم يعرف أن الذين قالوا ذلك أرادوا به الذي يبقى مدة يدركه الحس، فالثاني لا يخلو عن حركة وسكون فإنهم فهموا من السكون أشياء، فكيف سموا الاختصاص في الحاة الأولى سكونًا، فإن كان يسمى به باعتبار أنه ليس بمتحرك فليكن متحركًا باعتبار أنه ليس بساكن، أي ليس بلا لبث، وهذا خوض في فصول بلا طائل بعد معرفة المعنى، وثار من بعد خيال آخر وهو أن الحركة إن كانت عبارة عن الكون في المكانين فلا تكون الحركة قط موجودة في حال من الأحوال. لأن الكون في مكانين يكون في آنين، فإن نظرت إلى ألان الأول فالكون الثاني غير موجود وإن نظرت إلى الثاني فلا يكون إلا بعد عدم الأول. وهذا كما إن تبذل السواد والبياض لا يكون موجودًا، أعني نفس التبدّل لأنه ما دام السواد موجودًا فلا تبدّل. وإذا وجد البياض بعد عدم السواد فلا تبدّل. فيكون التبدّل عبارة أُطلقت على أمر معقول يستدعي ثبوته زيادة على إن واحد. فقالوا الحركة لا وجود لها بالفعل في آن البتة وإنما وجودها في زمان ممتد، والزمان لا يوجد منه جزء ما لم يفنَ الذي قبله، فلا يصادف وجودًا إلا في الوهم إما في الخارج فلا. وهؤلاء هم الفلاسفة. وقال أهل الحق
1 / 275