كمخالفة الماء الحار الفاتر، فإنه أقل من مخالفته للبارد والشديد البرودة، وكمخالفة الحركة يمينًا الصاعدة، فإنها أقل من مخالفتها للحركة يسارًا، أعني المقابل. فإذا تمهدت في عقلك هذه الأقسام فانظر إلى لفظ المتضادين وأنه كيف وضع الاصطلاح فيه. وأقل الدرجات في المتضادين هما المعنيان اللذان يتعاقبان على محل واحد لا يجتمعان سواء كانا مختلفين أو متماثلين. وقد اصطلح فريق. على إطلاق الاسم على هذا، فيوضع هذا الاسم. سقوا المثلين متضادين، وفريق أخر شرطوا زيادة لإطلاق هذا الاسم وهو أن لا يسد أحدهما مسد الآخر فلم يطلقوه على الكونين في حيّز واحد وأطلقوه على الكونين في حيزين. وفريق ثالث شرطوا زيادة أمر وهو أن يكون بينهما اختلاف في الحد والحقيقة، أي لا يدخل أحدهما في حد الآخر، فإنا إذا حدّينا الكون بأنه اختصاص بالحيّز دخل فيه جميع اكوان، فليس بين الاحياز اختلاف بالطبع ولا بين الأكوان بل هي متشابهة. فهؤلاء لم يسقوا الأكوان متضادة لكن المختلفات كالحرارة والبرودة. وفريق رابع شرطوا زيادة، وهو أن يكون بينهما غاية الخلاف الممكن في ذلك النوع من التضاد، بحيث لا يكون وراءه خلاف، وهؤلاء هم الفلاسفة، وهذا اصطلاحهم، فزعموا أن البياض لا يضاد العودي بل السواد والحار لا يضاد الفاتر بل البارد، فهذا هو الشرح. ونرى جماعة من العميان يتعاورون في هذه الحدود ظانين أن فيها نزاعًا ولا يدركون أن النظر نظران أحدهما في الحقائق المجردة دون الألفاظ وهؤلاء الانقسامات التي ذكرناها أولًا وليس في العقلاء من ينكر شيئًا منها، والثاني في إطلاق الألفاظ والاصطلاحات، وذلك يتعلق بالشبيه. فإن الألفاظ طافحة مباحة لم يثبت من جهة الشرع وقفها على معنى معيّن حتى يمنع من استعمالها على وجه آخر. ولعمري لو قيل إن واضع اللغة وضعه لشيء في الأصل فهو وقف عليه بالحقيقة ولغيره استعارته هذا لا أمنع منه، ولكن الخوض فيه لا يليق بالمحصل الناظر في المعقولات بل بالأدباء الناظرين في اللغات. وقد ترى الواحد يغتاظ ويقول كيف يستجيز العاقل أن يقول الكونان لا يتضادان ومعلوم أنهما لا يجتمعان وإنما ذلك لما في نفسه من القياس الخطأ الذي لا يشعر به، ونظم ذلك القياس أن قولنا يتضادان وقولنا يجتمعان واحد فكيف يقال يجتمعان ولا يجتمعان، إذ يظهر أن كل ما لا يجتمعان فواجب تسميتهما متضادين، ومعلوم أن الكونيين لا يجتمعان فوجب تسميتهما متضادين، ومن يدري أن وجوب تسمية ما لا يجتمعان متضادين غير ثابت بل التسمية إلى أهل الاصطلاح.
الامتحان السادس: قيل في حد الحياة إنها المعنى الذي يستحق من قام به أن
1 / 271