...في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، ولى الحجاج بن يوسف الثقفي ، عبدالرحمن بن محمد الأشعث الكندي على سجستان ، فسار عبدالرحمن هذا إلى سجستان بجيش عظيم قوامه ثلاثون ألفا ، من جملتهم العلماء والفقهاء والعوام ، فلما تمكن عبدالرحمن ابن الأشعث من سجستان ، أشار عليه الفقهاء بخلع الظلم والطغيان ، أشاروا عليه بخلع عبدالملك والحجاج ، فخلعهم وسار بجيوش تحفل إلى الشام ، وهناك تصدى له الحجاج بجيش عظيم ، وحصلت بينهم نيف وسبعون وقعة ، كانت الغلبة فيها كلها لابن الأشعث ما عدى وقعتين ، وهذا كله كان في ثلاث سنوات ، ما بين (81-83ه)، وفقهاء أهل الكوفة كان رأي أكثرهم الخروج على الظالم ، الأمر الذي جعلهم يلتفون حول ابن الأشعث بتزايد رهيب ، نعم ! اجتمع هؤلاء الفقهاء بابن الاشعث وأشاروا عليه ونصحوه بمراسلة أحد الفاطميين ، علي بن الحسين ، أو الحسن بن الحسن ، وأن هذا الأمر لا يلتئم إلا لهم وبهم ، وعندي أن هذا كان في السنة الثالثة من حروب ابن الأشعث والحجاج أي في سنة 83ه ، فأخذ ابن الأشعث برأيهم ، وأرسل كتابا إلى زين العابدين علي بن الحسين (ع) ، فامتنع عن إجابتهم فيما دعوه إليه ، ولعل زين العابدين (ع) كان يخشى من الغدر ، الذي نتج عنه مجزرة كربلاء ، وزين العابدين فكان كثيرا ما يذكر وينتحب على قتلى كربلاء ، وهذا فدليل على أن ذلك المنظر المأساوي الذي يتردد أمام عينيه ، هو الذي منعه من قبول بيعات أهل سجستان ، وليس هذا الامتناع منه (ع) تهاونا في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد للظلمة ، ولكنه منه (ع) عدم توثق من أمر المبايعين له ، نعم ! فلما يئس ابن الأشعث ومن معه من استجابة علي بن الحسين لهم ، أرسلوا كتابا ثانيا إلى ابن عمه الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، فظهر من الحسن بن الحسن بادئ الأمر من التخوف والتشكك مثل ما ظهر لعلي بن الحسين (ع) ، فقال لهم الحسن (ع) ، مبينا لهم حرصه على القيام بحجة الله ، قال (ع) : ((مالي رغبة عن القيام بأمر الله، ولا زهد في إحياء دين الله ، ولكن لا وفاء لكم، تبايعونني ثم تخذلونني)) ، فأصر عليه القوم ، وتعهدوا عنده بالسمع والطاعة ، وحسن الائتمام ، فلم يجد الحسن (ع) بدا من القيام بفرض الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما لم يجد عمه الحسين السبط (ع) بدا من الخروج وكتب أهل الكوفة تتوافد عليه من كل حدب وصوب ، وهنا لو تأملنا خطاب الإمام السابق لهم ، لوجدناه يقيم عليهم الحجة بصدق النصرة ، ولوجدناه زيدي الخروج والدعوة والإمامة ، ونقصد بالزيدي أي أن مبدأه هو مبدأ الزيدية أتباع أهل البيت (ع) ، بني الحسن والحسين ، وإلا فإن عهد الحسن بن الحسن لم تكن فيه هذه التسمية موجودة البتة ، وما ظهرت إلا بعد زيد بن علي (ع) ، نعم ! فلما أجاب الحسن بن الحسن الرسل استبشر الفقهاء وأصحاب ابن الأشعث بهذا الأمر أيما بشر وسرور ، وأجمعوا على تلقيبه (ع) بالرضا ، لما ارتضوه إماما وقائدا لهم ، وفي ذلك يقول شاعرهم :
...أبلغ أبا ذبان مخلوع الرسن ******** أن قد مضت بيعتنا لابن الحسن
...ابن الرسول المصطفى والمؤتمن ***** من خير فتيان قريش ويمن
والحجة القائم في هذا الزمن
مخ ۲