فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله: للنسيان معنيان:
أحدهما: الذهول عن شيء معلوم مثل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ . ومثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ . على أحد القولين، ومثل قوله ﷺ: «إنما أنا بشر كما تنسون فإذا نسيت فذكروني» . وقوله ﷺ: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» . وهذا المعنى للنسيان منتف عن الله ﷿ بالدليلين السمعي، والعقلي.
أما السمعي: فقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ وقوله عن موسى: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ . فقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي مستقبلهم يدل على انتفاء الجهل عن الله تعالى، وقوله: ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي ماضيهم يدل على انتفاء النسيان عنه. والآية الثانية دلالتها على ذلك ظاهرة.
وأما العقلي: فإن النسيان نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بالكمال، كما قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ . وعلى هذا فلا يجوز وصف الله بالنسيان بهذا المعنى على كل حال.