لجة ذلك الماء راكب على الفلك فقلت : ( اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) وواها لما بقي من المهجة واها ، وعلمت بصحة القيافة أنه غصن من أغصان شجرة الخلافة.
فاني لم أكن قد أثبته معرفة فلما قرب مني قاربت الموصوف الصفة ، وتبين أنه من لا أسميه إجلالا وتكرمة والبدر الذي به نفس السيادة مغرمة وإذا ذلك الراعي يترنم بمطلع الشعر الذي تقدم :
لله أحباب عرفناهم
لما رأيناهم بسيماهم
فلما رآني الفتى قال لي ، وهو مبتسم : متى جئت متى؟ فأخبرته بالخبر اليقين فقال : أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين ، وكان قد سمع الراعي وهو يتغنى بهذه الأبيات فقال أعدها علي فأعدتها له ثلاث مرات ، فصفق بيديه ، وخر مغشيا عليه ، فنضحته بشيء من الماء ، وعوذته بالرقى والأسماء ، فلما رجع عليه حسه ، واطمأنت نفسه ، وتأكدني أنسه ، أخذت أعلله برقايق الأخبار ، وأسليه بمحاسن الأشعار وأريه تلك الربا التي ضحكت فيها الأزهار ، وبكت عليها الأمطار ، وتجاوبت ما بينها الأطيار ، وطابت فيها الأصال والأسحار ، فما كان أسرع ما أنشد الراعي وكأنه قصد إسماعه وإسماعي فقال :
ما كان عن هذا وهذا وذا
أغنى المحبين وأغناهم
فقال حين سمعها : الحمد لله وحده ، اللهم عجل بالفرج بعد هذه الشدة وإعترته حينئذ هزة ، وكاد يمزق ما عليه من البزة ، وندمت على
مخ ۳۹