إنهم قد خدعوك يا ماجدولين، وزينوا لك حب المال والشهوات، وخيلوا إليك أن الحياة طعام وشراب، وثوب فاخر، وقصر باذخ، وعقد ثمين، وقرط جميل، وأن الزواج شركة مالية يتعاون فيها الزوجان على جمع المال واكتنازه، وما علموا أن الزواج المالي نوع من أنواع البغاء، وأن المرأة التي تتزوج الرجل لماله لا تتزوجه كما تزعم، بل تبيعه نفسها بيعا كما تبيع البغي جسمها لعاشقها، بل هي أحط من البغي شأنا، وأسفل غرضا؛ لأنها لم تبع نفسها من أجل لقمة تقيم بها أودها، أو خرقة تستر بها ضاحي جلدها، فينفسح لها صدر العذر في ذلك، بل من أجل عقد ثمين تطمع في أن تزين به صدرها، أو ثوب فاخر تكاثر به أترابها، أو قصر جميل تستمتع في جوه بأنواع لذائذها.
لا تصدقي يا ماجدولين أن في الدنيا سعادة غير سعادة الحب، فإن صدقت فويل لك منك، فإنك قد حكمت على قلبك بالموت.
لقد كنت عندي آخر من يحفل بأمثال هذه المظاهر الكاذبة ويأبه لها، وكان أكبر ما أعظمك في عيني، وأجلك في نفسي واستعبدني لك، أنك المرأة التي وجدت فيها وحدها من بين النساء جميعا قلبا نقيا طاهرا يفيض بالحب النقي الطاهر الذي لا تشوبه شوائب النوازع والشهوات، ولا يكدره مكدر من أغراض الحياة ومطامعها، فهل كنت مخطئا في ظني؟
لا لا، إنك لا تزالين صاحبة ذلك القلب الذي أعرفه حتى الساعة، وهذا هو الذي أخافه عليك، وأرثي لك من أجله.
أنت لا تعلمين شيئا من شئون «إدوار»، وأنا أعلم من شئونه كل شيء، وأخص ما أعلم منها أنه لا يحمل بين جنبيه قلبا مثل قلبك، ولا يفهم من معنى الحب وسره المعنى الذي تفهمين، ولا يستطيع أن يكون شريكا لك بحال من الأحوال في شعورك ووجدانك، وكل شأنه معك أنه رآك فاستملحك فاشتهاك، والملاحة عرض زائل، والشهوة ظل متنقل، فأخشى عليك أن ينالك بعد قليل على يده ذلك الشقاء الذي تفرين منه اليوم، وألا ينفعك ولا يجدي عليك شيئا في ذلك الحين مال ولا نسب، ولا فضة ولا ذهب، ولئن تم لك ذلك لأكونن أشقى الناس عيشا، وأعظمهم بؤسا؛ لأني أحبك، وأحب لك السعادة في كل موطن تكونين فيه، من أجلك لا من أجل نفسي.
ليت شعري! هل يصل صوتي إلى أعماق قلبك يا ماجدولين كما كان يصل إليه قبل اليوم؟ وهل تستطيعين أن تتصوري كما كنت تتصورين من قبل أنني أحبك أكثر مما أحبك لنفسي، وأنني فيما أفضيت به إليك من تلك النصيحة إنما أردت سعادتك وهناءك أكثر مما أردت سعادة نفسي وهناءها؟! (64) من استيفن إلى ماجدولين
لقلما أبقى على ما أرى.
الحياة مظلمة في عيني، والدنيا موحشة مقفرة، لا أسمع فيها حسا ولا حركة، كأن الليل متواصل لا ينقطع، وكأن الناس رقود في مضاجعهم ليلهم ونهارهم، لا يستيقظون ولا يستفيقون، ويخيل إلي أنني أعيش في صحراء نائية منقطعة عن العالم وما فيه، لا يمر بها طير، ولا يجري فيها نهر، ولا يطأ تربتها إنسان، ولا يجول في أكنافها حيوان، وأنني أهيم فيها وحدي ليلي ونهاري، أطلب الخلاص منها فلا أعرف السبيل إليه، وأحمل نفسي على البقاء فيها فيقتلني الضجر والضيق.
فمتى يحين حيني وتأتي ساعتي فأرتاح من همومي وآلامي؟
لا شيء يعزيني عنك في العالم يا ماجدولين؛ لأنك كنت لي كل شيء فيه، فلما فقدتك لم أجد منك عوضا ولا بدلا، وكنت كمن قامر في ساعة واحدة بجميع ما تملك يده فلما خسر، خسر كل شيء.
ناپیژندل شوی مخ