كالسوريين، فلو ملكت ربع ما ملك أصحاب المصارف في باريس أو لوندرة في عشرة أعوام وجه سورية
أتى لامرتين إلى سورية ليستمد الوحي والإلهام فوصل إليها وهو شاعر الغرام وغادرها وقد أصبح شاعر الإنسانية، كان قبل سفره يرجع بأنظاره إلى الماضي باكيًا عليه فغدا الآن رسول الرقي والإخاء بين الشعوب وكان لزيارته إلى (ادي استيراستنهوب) أبلغ أثر في روحه وقد بحث المؤرخون طويلًا عن حقيقة هذه المرأة الإنكليزية السرية التي كانت منقطعة على قمة جبل منعزل يصعب الوصول إليه فروي عنها أنها وهبت النبوة وكشف لها ستار الغيب وروي عنها أنها انتخبت ملكة على تدمر تحكم البدو والعربان وترفع إليها الصلوات ولكن حقيقة أمرها أنها جاسوسة إنكليزية أشبه بالكولونيل لورنس أو بالحج سان جون عبد الله فلبي زار الشاعر قبر المسيح في القدس ولم يطلب منه الإيمان الذي أضاعه بل الوحي الذي يحقق أمانيه في الحياة وكان يشعر بنفسه أنه سيكون يومًا قائد شعب وسياسيًا من أكبر ساسة أوروبا واحد دعائم الفكرة الجمهورية في فرنسا.
ثم عمل لامرتين عند رجوعه إلى فرنسا لتحرير الأقطار العربية من النير العثماني وان يحب الإسلام وقد مدحه مرارًا بشعره ونثره وعارض في بعض خطبه في المجلس النيابي فكرة الحروب الصليبية وعندما أرادت مدينة (أميان) أن ترفع الستار عن التمثال الذي شيدته لبطرس الناسك الذي كان أول من بشر بالحروب الصليبية رفض لامرتين حضور هذه الحفلة ونشر مقالًا في إحدى الجرائد روى فيها الأضرار التي سببها هذا الرجل.
مال الشاعر إلى البلاد السورية لأنه رأى في جمالها شيئًا أشبه بجمال شعره وكان للميول والأهواء التي قامت في نفسه هناك صدى عميق أثر في وحيه. وغادر الشرق متأسفًا لأنه لم يولد على ضفاف نهر الأردن أو نهر الكلب وطاف في فلسطين لعله يسمع في ضميره رسالة نبي عصري أو وحيًا جديدًا يبلغه إلى الغرب فيدعوا الناس إلى المحبة والمساواة وقد كان يحلم مرارًا أنه سيصبح يومًا محرر الأمم ومؤسس العدل في الدنيا وبينما كان في شهر آذار عام ١٨٣٣ يطوف داخل قلعة بعلبك تمثل له شيخ عربي وبشره أن مقاطعة (برك) في شمال فرنسا انتخبته نائبًا وهناك تصور لأول مرة في حياته الأدوار التي سيلعبها عام ١٨٤٨
2 / 52