وإني أرى ابن الخطيب صاحب تاريخ بغداد غير ناقل ما نقله على سبيل تصديقه لأنه قد سبق له ذكر الأحاديث النبوية التي رواها الرووان عن بناء بغداد ثم عن خرابها من قبيل: تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل يجتمع فيها خزائن الأرض يخسف بها فهي أسرع ذهابًا في الأرض من الحديد أو الحديدة في الأرض الخوارة أو: يكون خسف بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة بأمراء جبابرة يخسف الله بهم الأرض ولهي أسرع بهم هويًاّ من الوتد اليابس في الأرض الرطبة وغير ذلك من الأحاديث التي أملى فيها بضع عشرة صفحة مستقصيًا أسانيدها وأنهى الأمر بتضعيف هذه الأحاديث وأحيانًا تكذيب رواتها وبنقل كلام الأئمة الذين قالوا أنها من الموضوعات.
أما من جهة عدد الحمامات والمساجد فكأن المؤلف لشدة إعجابه ببلدته لم يشأ أن يتحاشى نقل هذه المبالغات وإنما نقل بجانبها أخبار لم تبلغ هذه الدرجة من المبالغة وأخرى معتدلة ومقولة وترك التمييز للقارئ ويا ليته اقتصر على المعقول فكان انصح للكتاب وأحدى على الثقة به.
حدث فقال نقلًا عن هلال ابن المحسن قال: كنت يومًا بحضرة جدي أبي اسحق إبراهيم بن هلال الصأبي في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة إذ دخل عليه أحد التجار الذين كانوا يغشونه ويخدمونه فقال له في عرض حديث حدثه به: قال لي أحد التجار أن ببغداد اليوم ثلاثة آلاف حمام. فقال له جدي: هذا سدس ما كنا عددناه وحصرناه. فقال له: كيف ذاك. فقال جدي أذكر وقد كتب ركن الدولة أبو الحسن بن بويه إلى الوزير أبي محمد المهلبي بما قال فيه: ذكر لنا كثرة المساجد والحمامات ببغداد واختلفت علنا فيها الأقاويل واحببنا أن نعرفها على حقيقة وتحصيل فتعرفنا الصحيح من ذلك. قال جدي: وأعطاني أبو محمد الكتاب وقال لي: امض إلى الأمير معز الدولة فاعرضه عليه واستأذنه فيه ففعلت. فقال له الأمير: إستعلم ذلك وعرفنيه. فتقدم أبو محمد المهلبي إلى أبي الحسن البادرجي - وهو صاحب المعونة - يعد المساجد والحمامات، قال جدي: فأما المساجد فلا أذكر ما قيل فيها كثرة، وأما الحمامات فكانت بضعة عشر ألف حمام. وعدت إلى معز الدولة وعرفته ذلك فقال اكتبوا في الحمامات بأنها أربعة آلاف. واستدللنا من قوله على إشفاقه وحسده إياه على بلد هذا عظمه وكبره. وأخذ أبو محمد وأخذنا نتعجب من كون الحمامات هذا القدر. وقد أحصيت
1 / 9