171

مجله مقتبس

مجلة المقتبس

ژانرونه

الاطلاع على أسرار العربية وآدابها أن المويلحي في عصره كالجاحظ في عصره. ولا غرو فقد تأدب الفقيد بكتبه وكان يحرص على دراستها والاستئثار بدررها ليله ونهاره. كتب المترجم به عن الأمراء كتبًا كثيرة ومقالات بحسب الحاجة والدواعي وتلون السياسة ومذاهبها كما كتب عدة جرائد منذ أول نشأته وآخرها مصباح الشرق ولو دام المصباح على لطافة أسلوبه وجودة ألفاظه وتراكيبه سنين كثيرة لكان من أهم البواعث على ارتقاء ملكة البيان العربي ولصار العامة ممن يتوفرون على مطالعته اليوم أرقى لهجات من الخاصة منذ قرون. وبهذا عرفت أن طريقة المويلحي في الإنشاء طريقة السهل الممتنع ساعده على الإجادة فيها أنه لم يكن يكتب إلا في المسائل التي له وقوف على أطرافها ليكون رأسًا في معانيه كما هو رأس في مبانيه. وكان مطلعًا كل الاطلاع على أحوال مصر والأستانة رعافًا تاريخ رجالهما بحيث كانت هذه المواد له على خفة روحه ورشاقة قلمه مادة واسعة ليكتب على الطريقة الهزلية المعروفة عند الإفرنج بالاوميريستيك على أن معظم ما كان يكتبه يمتزج فيه الهزل بالجد. كان مجلسه عامرًا بالفوائد الأدبية والتاريخية والاجتماعية نادرة النوادر في نكاته آية في الاطلاع على الدخائل. استفاد أشياعه من لسانه أكثر من استفادتهم من قلمه. ولو وجد مجالًا للعمل النافع وقدر أمراء هذه الديار وكبارها أن يحسنوا الانتفاع بمواهبه كما ينتفع الملوك والأمراء بنوابغ بلادهم في العادة لأشبه المويلحي بسمرك وكرسبي وغيرهما من رجال السياسة في هذا القرن ولما رغب في صرف الوقت في الجزيئات ولانصرف عنها إلى الكليات لا محالة.

3 / 45