درساه مقدارًا محدودًا بصحيفة أو صحفتين لأن التركي إنما يكتب بلغة لا فرق بينها وبين التي يمارسها في مخاطبة قومه إلا قليلًا بخلاف العربي فإنه عندما يمسك القلم يضطر إلى تناسي اللغة التي شب عليها وتلقنها من أبويه وتمرن عليها في التفاهم مع قومه وغنما يلي من اللغة التي تعلمها كبيرًا وأعدها في صدره زغيرة لوقت الحاجة إليها حين الإنشاء فيالله كم وكم يعاني كل كاتب عربي خصوصًا وكل مسلم عمومًا في تحصيل لغة الدين الحنيفة تحصيلًا يرقي به إلى درجة فهم كلام الله ﷿ وحديث رسوله ﵊ ولولا الكتاب وألسنة لما كنا نأمن أن تسلم هذه اللغة الشريفة من الدروس والانمحاء ولما كنا نثق ببقائها مصونة محفوظة من التلاشي مهما انتابتها طواراق الحدثان وتعاقب عليها بتقلابات الأحوال الملوان.
وها هي اليوم قد أخذت تنفض غبار الخمول وتنهض من عثرتها زاهية مفتخرة بخيرة الكتاب، ونخبة المنشئين، قريرة العين بحسن ترسلهم وإنشائهم حر الكلام الذي تحرر بهم من رق التكلف والتنطع بعد أن وسم بل وصم به زمانًا طويلًا وسامه الدهر ذلك على فترة من دولة ملوك الأقلام وسلاطين اليراع كما قال البسامي:
تبًا لدهر قد أتى بعجاب ... ومحافنون العلم والآداب
وأني بكتاب لو انبسطت يدي ... فيهم ردد تهمو إلي الكتاب
هذا لا يخفى أن مقتضى الحالة الراهنة يدعو إلى متابعة البحث في شأن التنويه بفضل لغة الضاد والإشادة بذكر مزاياها وسرد الأدلة والبراهين على وجوب العناية بها مقاومة لغلبة إهمالها فإن النفس إذ مردت ومرنت على إهمال الواجب وأعتادت تركه ونبذه ظهريًا لا تزال تتناساه وتستصغره حتى تفقد وخز الضمير على ارتكابها تبعة ذلك ويموت إحساسها بمعرة القصور والتقاعس عما يتحتم أداؤه وتستمر ساهية لاهية عنه ولا تعود إليها حركة الضمير ونمو الإحساس إلا بالمبالغة في التنبيه والإيقاظ.
ولذلك نراك تعذرنا إيها القارئ الكريم مهما أطلنا عليك في هذا الصدد بل تتوق مصغيًا إلى الإفاضة في حديث لغة الضاد التي هي مصدر الشريعة السمحاء ومادة جميع العلوم العربية، ولاشك أنه يعز عليك أن تمسها الألسنة بسوء التحريف وفيك عرق نابض، ودم جار، وفؤاد شاعر، ولا يليق بنا أن نكون أقل حرصًا على مجدنا القديم من رجال الإفرنجة
3 / 7