يسعى تفاخرًا وتكاثرًا فهو في سبيل الشيطان وهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبله قد اشتهر عن أكثرهم لاحتراف بحرف مخصوصة كالزراعة والتجارة والخياطة وغير ذلك وهؤلاء السلف الصالح ﵃ كانوا يكرهون البطالة أشد الكراهية، ويعدون صاحبها العضو الأشل في هذا المجتمع ومن عباراتهم تقعد عن الرزق وتقول اللهم أرزقني وقد علمت أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة فدع الحمول والكسل واسع لتستغني عن الناس، وقال عمر ﵁ ما من موضع يأتيني فيه الموت أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع واشتري، وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العمل أما سمع قول النبي ﷺ حين ذكر الطير فقال تغدوا خماصًا وتروح بطانًا، فذكر أنها تغدوا في طلب الرزق فاستبان بهذا أن لا مندوحة لا حد عن السعي والعمل ولا غنى له عن التكسب والكدح، وأن على المسلمين أن يحترفوا ولا يتجروا، ويضربوا في الأرض، عملًا بمقتضى دينهم، وإرشاد نبيهم، وأن من يزعم أن دينهم يأمرهم بالجمود والحمل والكسل، هو الجاهل الدنيء المتعصب، أو العدو الأحمق المتفرنج، هل يعقل أن دينًا بين الناس سبل الحضارة والتقدم، والعمل والتمدن، وجاءهم بالبينات والهدى، والتربية والآداب يأمر بالجمود، هل يتصور أن دينًا جاء بتنمية العقول، وتهذيب النفوس، يأمر بالحمول هل يتوهم أن دينًا جاء بعلو الهمة وكرائم الأخلاق، ومحاسن الصفات والآباء عن الدنايا يأمر الكسل كلا؟ فإن قلت ما قررته ودعوت إليه ينافي التوكل ويباين الانقطاع إلى الله تعالى وأين هو من قوله عز أسمه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وقوله ﵊ من انقطع إلى الله ﷿ كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب قلنا الجواب عن هذا يحتاج إلي شرح معنى التوكل وبيان حقيقته إذ يتوهم كثير أن التوكل ترك الرجل هذه الأسباب بتاتًا وإهمال نفسه بحيث يجعلهم كالثوب الخلق الملقى عن الأرض ثم يكون في حاجاته كلا على الناس وهذا كما لا يخفى لا يرتاب عاقل بمنعه وتحريمه لأنه مع مخالفته ما تقدم من صريح الأدلة آية الذل، وعلامة الهون والمسكنة والمؤمنون مبرؤن عن ذلك قال الله تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين إذا تمهد هذا فاعلم أن التوكل هو الركون إلى الله وحده واعتقاد أنه هو الفاعل المختار والكافر لأرزاق عباده والمسلم من حيث هو مسلم يعتقدان لا إله إلا
2 / 12