مجلة الأحكام الشرعية
مجلة الأحكام الشرعية
ایډیټر
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
خپرندوی
الناشر تهامة
شمېره چاپونه
الأولى
د چاپ کال
۱۴۰۱ ه.ق
د خپرونکي ځای
جدة
الحركة العلمية بمكة المكرمة
كانت المراكز العلمية التي تؤهل الدارسين بمكّة هي المسجد الحرام والمدارس الأهلية والحكومية المعدودة. وخير من يتحدث عن هذه المراكز ونشاطاتها العلمية المعاصرون لها من العلماء والأدباء والمؤرخين الذين عاشوها وتنسموا عبيرها، وتدرجوا في معاهدها، فأصدق الرواية ما كان عياناً، وما راء كمن سمعا.
يذكر الأستاذ عمر عبد الجبار رحمه الله في كتابه (سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة) هذه المراكز والدور العلمي الذي قامت به على المستوى المحلي ومستوى العالم الإسلامي وكان المسجد الحرام والمسجد النبوي يغذيان الدعوة الإسلامية بالمتخرجين منها، وابتعاثهم إلى البلاد المفتوحة لنشر الدين وتفقيه سكانها وتوجيههم إلى الطريق إلى ربهم وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم، ثم دار الزمان دورته فظل المسجد الحرام والمسجد النبوي منهلين لطلاب العلم، يقصدونها من جميع البلاد فتعقد فيها حلقات في جميع العلوم، وكان الإقبال عليها عظيماً من جميع طبقات الشعب.
وقد أدركت أواخر هذا العهد (العثماني) وكانت حصوات المسجدين مكتظة بحلقات التدريس، وانكباب الطلاب شيباً وشباناً على الدرس والمطالعة والاستعانة بمصابيح الشمع (اللالات) حيث لا توجد كهرباء ولا أضواء غير قناديل الزيت المسرجة حول المطاف والأروقة. وقد نشأت بجانب هذه الدراسة الدينية المدرسة الصولتية والفخرية ومدارس الفلاح، والمدرسة الراقية، فقامت بتربية النشء وتثقيفه للسير في ركب الحضارة الحديثة .. وكان المسجد الحرام يغص بكبار العلماء ...)) (١) ثم عدد أسماء من أدركهم من هؤلاء العلماء، ومشاهير المؤلفين منهم. ويؤكد هذه الصورة العالم الأديب الأستاذ أحمد إبراهيم الغزاوي في ذكرياته عن الدراسة في المسجد الحرام فيقول:
((وقد أدركنا الحلقات في المسجد الحرام كما كانت في المدينة المنورة بالمسجد النبوي الشريف - تغص بالطلاب الكبار والصغار ليلاً ونهاراً، وفي جميع الأوقات حتى منتصف الليل، وفي تباكير الصباح، وبعد كل فرض يؤدى، وكانت تدرس فيها العلوم الشرعية واللغوية والنحوية وحتى الفلكية، ولا أبالغ إن قلت: ان عددها أكثر من مائة بين الأروقة والحصاوي، وفي المدارس والخلاوي، وكانت الدوافع إلى ذلك ترتفع إلى طلب الأجر من الله العلي القدير، وتتوسط إلى
(١) عمر عبد الجبار، سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة، الطبعة الثانية، ١٣٨٥ (مكّة: مؤسسة مكة: للطباعة والإعلام)، ص ١٣ -١٤.
57