ثم قال: إن جميع ما تعبد الله به خلقه من المعرفه بالله ورسله وما جاءت به لا يدرك إلا بالعقول، وذلك أن الرسل تأتي بجميع ذلك إلى أصل العقول ليس إلا الأطفال والمجانين، فبالعقول قبل من قبل قول الرسول، حتى استوجب من خالقه الحفظ والحياطة في دنياه وآخرته، كما استوجبت الرسل سواء سواء، قال الله سبحانه وتعالى في الرسل ومن تبعهم من المؤمنين: {ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وآخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب} [الصف:12،13]، في دنياهم غيرأن الله عز وجل هو أعلم/53/بخلقه منهم بأنفسهم وأرحم بهم، جعل لرسالته قوما من ملائكته وإنسه علم أنهم سيبلغونها خلقه كما يأمرهم ولا يخونونه في خلقه،كما قال سبحانه: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام : 124]، وقال عز وجل:{ولقد اخترناهم على علم على العالمين} [الدخان: 32]، أعطاهم على علم منه أنه أهل لما أعطاهم، ولذلك قلدهم بأذنه أمانته إلى عباده: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23]، إذ ليس في فعله عيب ولا في تقديره فساد، ولا في تدبيره تفاوت، كما قال سبحانه: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} [الملك: 3]، ثم قال سبحانه: {وهم يسألون عن أفعالهم}، إذ هم ينسبون إلى خالقهم ما لا يليق من الجبر والتشبيه وإبطال الوعد والوعيد، وتكذيب الرسل، والذي جاء به الرسل من شرائع الدين إلى أهل العقول بعقولهم دون معرفة العدل والتوحيد كالذي جاء به العالم إلى كليم الله عليه السلام، بعدل الله من معرفة السفينة والغلام والجدار، لأن موسى بعدل الله وتوحيده أنبل من هذا العالم، ولعلمه بعدل الله وتوحيده اصطفاه ربه، كما قال تعالى: ((يا موسى أتدري لم اصطفيتك على الناس برسالتي وكلمتك تكليما )). قال:لم يارب؟ قال: ((لأني اطلعت في قلوب عبادي فلم أجد فيهم أشد تواضعا لي منك)). فبمعرفة عدل الله وتوحيده أرتفعت/54/منزلة موسىعند خالقه، ليس بالذي قالت المشبهة: أنه يسأل ربه أنه يراه جهرة ف{فسبحان الله عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين} [الصافآت: 159،160،161].
مخ ۶۳