وهناك تعاليم القرامطة والفاطمية في أشعار المتنبي وابن هانئ وغيرهما. وكلما جد الباحثون أمكنهم بعد التدقيق أن يربطوا بين أشعار للشعراء، ومعان للتشيع قريبة الشبه. وإن الفنون في بعض الأحيان تنزع في بعض تصميماتها إلى فن فارسي شيعي كالمحاريب المقرنصة وكطابع الخشب المحفور، ورسم النباتات والحيوانات التي تتعارك، أما التاريخ فقد عبث به كل العبث فترى نزعة مهدوية شيعية تلون الأحداث تلوينا زاهيا بديعا، ومن سني يلونها تلوينا أسود قائما، كالذي رأينا في نسب الفاطميين إلى فاطمة، منهم من يؤمن بصحته كل الإيمان، ومنهم من ينكره كل الإنكار، وكل يوم يستخرج الباحثون تسرب القضايا الشيعية إلى العلوم والفنون المختلفة، وحتى النحو نرى فيه هذه النزعة أيضا كنسبة وضعه إلى أبي الأسود الدؤلي عن علي بن أبي طالب، ومثل تمثيلهم بقولهم: قضية ولا أبا حسن لها إلخ ...
وعلى كل حال فلعل للمسلمين عبرة من هذا التاريخ الطويل المخزن، وتطور الأحوال يدلنا على أن الزمان قد تغير، وتغيرت العقليات فأصبح لا يجوز على العقول أمام مختف أو مهدي منتظر، وحل القادة والمصلحون والزعماء محل الأولياء وحل الإقناع بالحجج محل الإرهاصات والتخرصات.
والدعوة إلى الإصلاحات محل التنبؤات والتكهنات، والاعتماد على اليازرجات والتنجيمات، وكلما كبر العقل وزاد الوعي قلت الأوهام .
إن عقلية الجيل الحاضر التي تتحرى الأخبار وكشف الأستار، والإصغاء إلى الرأي وما يؤيده وما يعارضه لا يمكن أن تؤمن بإمام معصوم يعيش في الخفاء، ويوحي من وراء ستار بالأوامر والنواهي؛ ولذلك كفر أبو العلاء الذي تقدم زمنه بالإمام المعصوم وقال: لا إمام إلا العقل ولا سلطان إلا سلطان العقل، وأشاع في لزومياته عدم تقديس الإمام وأفاض في ذلك كما رأينا إذ رأى ما حوله من البلاد يخضع للحمدانيين التابعين للفاطميين، ويخضع لداعي الدعاة وقول الدعاة بإمام معصوم، فقابل الإلحاح بالإلحاح والدعوة إلى الخفاء بالدعوة إلى المكشوف.
والحق أنني لم أقصد ببحثي هذا إلا الحق لا تأييدا لسنيين ولا حطا من شيعيين فكما نقدت الشيعين في دعوتهم وسلوكهم أيام مكن لهم في الحكم نقدت الخلفاء السنيين في اضطهادهم للعلويين، والتنكيل بهم تنكيلا شديدا، فلا فرق عندي بين مذهب ومذهب، وإنما الحق أردت وبحثت بحثا تاريخيا بقدر ما يمكني من التحقيق، وقد يكون هناك لوم علي في أني اعتمدت في أكثر ما اعتمدت على الكتب السنية التي وصفت عقائد الشيعة.
وعذري في ذلك أن المصادر الأصلية عن الإسماعيلية والقرامطة وتعاليم الفاطميين والموحدين قليلة بالنسبة لي. ومهما كانت عقيدتهم فلا ينكر منصف نقدهم في سلوكهم، خصوصا وأنهم دعاة العدل المنفرون من الظلم.
وأحب أن أفرق بين باحث يبحث المسائل من حيث تاريخها، وتأثيرها السياسي والاجتماعي وبين داع يخطب في تأييد مذهب أو نقده، فالمؤرخ لا يهمه ماذا فعل أهل هذا المذهب وهل هم على حق أو باطل، إنما يهمه البحث التاريخي مهما كانت النتائج سوداء أو بيضاء، وإذا نقد فيجب أن ينقد إما لضعف سنده أو غلطة في الاستنتاج، ولا ينقد على أساس العواطف التي تواضع أهل المذهب عليها. أما الداعي فإنما يدعو لغاية معينة، ويحاول أن يفسر ما كان ضده على حسب ما يهواه لا على حسب الحق؛ لهذا أسف كل الأسف إذا كان في كلامي في هذه الرسالة، أو في فجر الإسلام وضحاه وظهره ما يغضب إخواننا الشيعيين، وأقرر لهم أن هذه النتائج نتائج تاريخية لا نتائج دعاية فليتقبلوها على ما هي عليه وليس أحب إلى نفسي مع هذا من القضاء على العداوة بين السنيين والشيعيين. فما أحوجنا إلى الصداقة خصوصا في هذا الزمن، ومن أجل ذلك رحبت بالانضمام إلى جماعة التقريب؛ لأنه غاية ما أتمنى، ولست أريد إثارة فتن جديدة إلى الفتن القديمة، وإنما أردت أن أبين وجه الحق للعلماء والباحثين.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
جدول تاريخي لأهم الأحداث التاريخية المتصلة بفكرة المهدوية
سنة بالتاريخ الميلادي
ناپیژندل شوی مخ