المحاسن والاضداد
المحاسن والأضداد
خپرندوی
دار ومكتبة الهلال
د خپرونکي ځای
بيروت
حتى يخرجه منها، وطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى توفيه رزقه» . وقال الحسن البصري: «بينا أنا أطوف بالبيت، إذا أنا بعجوز متعبدة، فقلت:
«من أنت»؟ فقالت: «من بنات ملوك غسان»، قلت: «فمن أين طعامك»؟ قالت: «إذا كان آخر النهار، جاءتني امرأة متزينة، فتضع بين يدي كوزًا من ماء، ورغيفين، قلت لها: «أتعرفينها»؟ قالت: «اللهم لا» . قلت: «هي الدنيا خدمت ربك، جل ذكره، فبعث إليك الدنيا فخدمتك» .
وضده، زعموا أن زياد أبن أبيه مر بالجدة، فنظر إلى دير هناك، فقال لخادمه: «لمن هذا»؟ قيل له: «هذا دير حرقة بنت النعمان بن المنذر»، فقال: «ميلوا بنا إليه نسمع كلامها»، فجاءت إلى وراء الباب فكلمها الخادم فقال لها: «كلمي الأمير»، فقالت: «أأوجز أم أطيل»؟ قال: «بل أوجزي»، قالت: «كنا أهل بيت طلعت الشمس علينا وما على الأرض أحد أعز منا، وما غابت تلك الشمس حتى رحمنا عدونا»، قال: فأمر لها بأوساق من شعير، فقالت: «أطعمتك يد شبعاء جاعت، ولا أطعمتك يد جوعاء شبعت»، فسر زياد بكلامها، فقال لشاعر معه: قيد هذا الكلام ليدرس، فقال:
سل الخير أهل الخير قدمًا ولا تسل ... فتىً ذاق طعم الخير منذ قريب
ويقال: إن فروة بن إياس بن قبيصة انتهى إلى دير حرقة بنت النعمان، فألفاها وهي تبكي، فقال لها: «ما يبكيك»؟ قالت: «ما من دار امتلأت سرورا إلّا امتلأت بعد ذلك تبورًا»، ثم قالت:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف
قال: وقالت حرقة بنت النعمان «٢» لسعد بن أبي وقاص: «لا جعل الله
1 / 162