محاسن التأويل
محاسن التأويل
ژانرونه
آخرون : ذلك الجبل الذي صار دكا إذ تجلى له ربه. وقال آخرون : قوله ( يهبط من خشية الله ) كقوله ( جدارا يريد أن ينقض ) [الكهف : 77] ولا إرادة له. قالوا : وإنما أريد بذلك أنه من عظم أمر الله يرى كأنه هابط خاشع من ذل خشية الله. قال زيد الخيل :
بجمع تضل البلق في حجراته
ترى الأكم منه سجدا للحوافر
وكما قال سويد بن أبي كاهل ، يصف عدوا له :
ساجد المنخر لا يرفعه
خاشع الطرف أصم المستمع
يريد أنه ذليل.
وكما قال جرير بن عطية :
لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
وقال آخرون : معنى قوله ( يهبط من خشية الله ) أي يوجب الخشية لغيره بدلالته على صانعه. كما قيل : ناقة تاجرة إذا كانت ، من نجابتها وفراهتها ، تدعو الناس إلى الرغبة فيها ، كما قال جرير بن عطية :
وأعور من نبهان ، أما نهاره
فأعمى ، وأما ليله فبصير
فجعل الصفة لليل والنهار ، وهو يريد بذلك صاحبه النبهاني الذي يهجوه. من أجل أنه فيهما كان ما وصفه به. ثم اختار ابن جرير ما يقتضيه ظاهر الآية. وتقدم رد ابن حزم له مبرهنا عليه.
ثم رأيت الإمام الراغب حاول هنا تقريب ما نقل من الوقوف على ظاهرها بتأويله. وعبارته : قال مجاهد وابن جريج : كل حجر تردى من رأس جبل فخشية الله نزلت به ، وقال الزجاج : الهابط منها قد جعل له معرفة ، قال ويدل على ذلك قوله ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) [الحشر : 21] ، وقال ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ) [الحج : 18] ، إلى قوله : ( والنجوم والجبال والشجر والدواب ) [الحج : 18] ، وقد روي مثل هذا عن السلف ، ولا بد في معرفة ذلك من مقدمة تكشف عن وجه هذا القول ، وحقيقته. فإن قوما استسلموا لما حكي لهم من هذا النحو ، فانطووا على شبهة. وقوما استبعدوا ذلك واستخفوا عقل رواته وقائليه ، فيقال وبالله التوفيق : إن قوما من المتقدمين ذكروا أن جميع المعارف على أضرب : الأول المعرفة التامة التي هي العلم التام.
مخ ۳۳۲