Juan Vernet ، يرون القرآن نقطة البدء في الرياضيات العربية بسبب هذا النظام. وثمة أيضا تعاظم جحافل الجيوش الجرارة وتوزيع رواتبها وغنائمها وحساب نفقاتها، ثم الرخاء الاقتصادي والتراكم المالي، الذي تلا تكوين الإمبراطورية الإسلامية، ومشكلات حساب أنظمة الجزية والخراج والضرائب والزكاة، هذا فضلا عن مشكلات عمليات المساحة وتقسيم الأراضي وتشييد المدن.
وكان تحديد مواقيت الصلاة والشعائر والأعياد الدينية، يدفع الإسلاميين إلى اهتمام مكثف بالفلك (الهيئة)، خصوصا وأن البيئة الصحراوية دفعتهم إلى الاعتماد على التقويم القمري بصعوباته في تحديد التواريخ سلفا، وفي الوقت نفسه اهتموا بالتقويم الشمسي في الأمصار الزراعية، التي دانت لهم من أجل تحديد أوقات جباية الجزية والضرائب والزكاة وفقا لمواسم الحصاد، والمحصلة أن استطاع العرب تطوير علم حساب المثلثات، وتصنيع آلات فلكية لتعيين المواقيت والاتجاهات، وكانت من أدوات اكتشاف الأمريكتين وإثبات كروية الأرض.
وتظل المأثرة الكبرى للرياضيات هي تأسيس علم الجبر في «الكتاب المختصر في الجبر والمقابلة»، الذي وضعه محمد بن موسى الخوارزمي، فيما بين عامي 813-833م؛ أي في عهد الخليفة المأمون، و«لأول مرة في التاريخ صيغت كلمة «جبر»، وظهرت تحت عنوان يدل به على علم، لم تتأكد استقلاليته بالاسم الذي خص به فقط، بل ترسخ كذلك مع تصور لمفردات تقنية جديدة معدة للدلالة على الأشياء والعمليات».
9
ويحتفظ «الجبر» حتى الآن باسمه العربي في اللغات الشتى، منذ أن ترجم روبرت أوف شستر كتاب الخوارزمي في عام 1245م ناقلا المصطلح العربي كما هو إلى اللغة الأوروبية؛ لأنه ليس له مقابل عرفوه من قبل.
بطبيعة الحال تباشير الجبر كائنة منذ الحضارات البابلية والهندية القديمة وعند الإغريق، جميعها مجرد إرهاصات، وأهمها كتاب «المسائل العددية» لديوفانطس السكندري، وهو أول رياضياتي يعترف بالكسور كالأعداد، وأول من تناول المعادلات البسيطة من الدرجة الأولى، ومعادلات الدرجة الثانية ومعادلات من رتبة أعلى، على أن أسلوبه كان غير فعال وطرقه غير دقيقة؛ فلم يكن إلا مبشرا.
10
أما «الجبر والمقابلة» فيلقي أسس العلم بصورة منهجية ناضجة قابلة للنماء، يعرض المنهج المنظم لحل معادلات الدرجة الثانية وسواها، الجبر يتعلق بمعالجة المعادلات بحيث يستبعد منها العدد السالب ، بينما تمثل المقابلة طريقة لتبسيط المعادلات عن طريق جمع أو طرح كميات متساوية. أطلق الخوارزمي على الكمية المجهولة اسم «الجذر»، إشارة إلى جذر النبات الذي عادة ما يكون مختفيا تحت الأرض، وأطلق على مربع الجذر اسم «المال». انطوى جبر الخوارزمي على جدة حقيقية، وإبداع أصيل في المنهج لا يتعلق بأي تقليد حسابي سابق عليه، لا شرقي ولا غربي، فقطع شوطا يفصله كثيرا عن ديوفانطس، ويحق له القول إن كل ما يتعلق بالجبر «لا بد أن يخرجك إلى أحد الأبواب الستة، التي وضعتها في كتابي هذا.»
11
لم يتوان المعاصرون للخوارزمي والتالون له، عن شرح وتفسير كتابه، خصوصا أبا كامل شجاع بن أسلم الذي أضاف فصلا، وثابت ابن قرة، ومنصور بن عراق الجيلي، وأبا الوفا البوزجاني، وسنان بن الفتح الصيداني ... وسواهم. شهد الجبر قفزة تالية مع عمر الخيام، الذي وضع قواعد لحل ثلاث فئات من معادلات الدرجة الثالثة وفئة من معادلات الدرجة الرابعة، وتدافعت أفواج الرياضيين العرب منذ القرن التاسع الميلادي/الثالث الهجري، و«راحوا يطبقون الجبر على الحساب، والحساب على الجبر، وكليهما على حساب المثلثات، وكذلك طبقوا الجبر على نظرية الأعداد لإقليدس، وعلى الهندسة، كما طبقوا الهندسة على الجبر. وضعت هذه التطبيقات أسس فروع أو على الأقل مباحث جديدة»،
ناپیژندل شوی مخ