============================================================
1200مفاتيح الاسرار ومصابيح الآبرار نحوه؛ فإن التمنيل من كل وجه ليس بممكن كما ذكروا، والمقصود ها هنا في المنلين شيء واحد، وهو الكون الأول من حالهم أنه كيف يشبه الضوء في النار التي أضاءت ما حولهم ساعة ثم انطفأت النار؛ فذهب الله بنورهم، وهو إشارة إلى الكون الثاني من حالهم؛ وكذلك كيف يشبه الضوء في البرق كلما أضاء لهم مشوا فيه وذلك أيضا إشارة إلى الكون الأول من حالهم إلا أنه أسرع انطفاء من الأول وأقل انتفاعا به ومشيا فيه؛ وقوله: (وإذا أظلم عليهم قاموا) أي متحيرين قد ذهب الله بنورهم أيضا؛ وذلك إشارة إلى الكون الثاني من حالهم. فالضوءان المذكوران في النار والبرق هما المقصودان في المثل بتشبيه الحال بالحال؛ وهما لسرعة زوالهما لايجديان لصاحبهما نفعا بإبصار الجادة وسلوك الطريق. فالرعد يقصم اسماعهم والبرق يخطف ابصارهم. ذلك قريب الشبه بالزام الحجة عليهم كالرعد يقصم اسماعهم، وتعريف الحق لهم كالبرق يخطف ابصارهم. فلم يتحصلوا منهما إلا على ذهاب السمع والبصر؛ ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم الظاهرة بذلك الرعد والبرق، كما ذهب بسمعهم وابصارهم الباطنة. فهذا الرعد رعد الالزام، وهذا البرق برق تحقيق الحق.
وسر آخر: أنا ذكرنا أن المثل لتشبيه الحال بالحال في الحال، ولتشبيه الحال بالمعاد والمآل. فحالهم في المآل كمثل صيب من السماء يصوب عليهم أنواع العذاب فيه ظلمات ورعد وبرق، أما الظلمات فطبقات التيران بعضها فوق بعض: واما الرعد فصوت الزبانية تزفر عليهم بصوت الزبانة والكبر، يبرق منه برق يخطف البصر؛ لأنهم في الدنيا لم يسمعوا الحق بأسماع قلوبهم ولم يبصروا الحق ببصائر عقولهم، وقالوا: (لو كنا نشمع أو نغقل اكنا في أصحاب السعير).
وسر آخر: أن المنافقين بعد زمان رسول الله -صلي الله عليه وسلم - ربما يأكلون ويتمتعون ويلهيهم الأمل ويكون لهم دولة ورعد وبرق؛ فمنهم من يستوقد نارا فيستدفئ بها مدة ويبصر ما حوله من الخول والنعم مدة، ويعيش بالاسلام والدين وليس له منهما إلا الاسم الظاهر: فيذهب الله بنورد ويتركه في ظلمات التبعات: ومنهم من يؤانيه الزمان بصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق من الظلم والفهر -185- والغلبة؛ فينمتع بها مدة كلما أضاءت الدولة منشى فيها. وكلما أظلمت علبه دائرة السوء قام متحبرا: فيذهب الله بنوره ليتهنل
مخ ۲۶۶