القارئ يعرف الآن أنه ما من جواب على هذا السؤال، ذلك أن كل جواب طال أو قصر سيكون بالضرورة على هذه الصورة: «إنه هو «يكون» هذا أو ذاك»، لكن الواحد ليس «هذا» ولا «ذاك»، ولا سبيل إلى التعبير عنه بفعل «يكون»؛ فالجواب إذن سيخطئ السؤال، بل إن كل سؤال سيؤدي بطبيعته إلى توجيه الجواب وجهة خاطئة؛ إذ ما من سؤال يسأل إلا كان عن موجود على نحو من الأنحاء.
هل نكون بذلك قد أوغلنا في المتاهة التي لا أمل في الخلاص منها؟ إن القارئ قد يغفر لنا عجزنا عن إيجاد الجواب، ولكن كيف نطلب منه أن يغفر لنا العجز حتى عن توجيه السؤال؟ ألا نكون بذلك قد خرجنا عن دائرة الفهم البشري وتهنا في فراغ يخرس فيه السؤال ويضيع الجواب؟!
ولكن كيف نقترب إذن مما يسميه أفلوطين «بالواحد»؟!
إن ما ينطبق على أية فلسفة ينطبق على أفلوطين؛ فنحن لا نستطيع أن نعزل فكرة الواحد عن السياق الشامل الذي وردت فيه، ولن يجدينا التأمل فيها شيئا ما لم نضعها في الكل الذي يحتويها. إن الحجر الواحد لا قيمة له بغير البيت الذي يكون فيه، وكذلك الفكرة المفردة لا أهمية لها إذا انسلخت عن البناء الشامخ الذي وضعت فيه.
لا فائدة إذن من التفكير في «الواحد» أو «العدم» أو «ما وراء» أو غيرها من الكلمات الأثيرة عند أفلوطين بمعزل عن حركة الفكر عنده، هذا الفكر يتحرك حركة صاعدة نحو الواحد، ويلتزم في سيره بمنهج أو طريق يتدرج خطوة فخطوة إلى غايته.
هو طريق صاعد متدرج كما قلنا،
21
كل درجة منه تمهد للدرجة التي تليها وتسبق الدرجة التي تركتها وراءها، هذه الدرجات المشهورة هي على الترتيب الجسد (سوما
soma ) والنفس (بسيخي
) والعقل (نوس
ناپیژندل شوی مخ