16
من زحلة بزجليات بليغة مفصلين فيها المواقع.
وقد وصف المرحوم طنوس الشدياق في كتابه «أخبار الأعيان» هذه الموقعة في صفحة 638، وقال في صفحة 639 يذكر قدوم القائد العثماني إلى زحلة:
أما القائد فأمر أهل زحلة أن يهدموا الشون (الحصون) من حول بلدتهم، فالتمسوا منه إبقاءها وقاية لهم، فأجابهم أن الدولة تقيهم لا الحصون وهدم كل ما بنوه، وكان يضيق عليهم كأنه خصمهم. وأما الأمير أسعد قعدان، فنهض من بكفيا إلى زحلة بأربعمائة رجل، ولما أقبل على البلدة التقته الوجوه والتمسوا منه أن يدخل بجماعته سرا خوفا من مخالفة أمر الباشا قائد العسكر المقيم عندهم، فأجاب الأمير سؤلهم ودخل بمن معه مساء، وبلغ الباشا ذلك، فأمر برجوع الأمير أسعد وجماعته إلى أوطانهم، فأبقى الأمير أسعد جماعته في البلد سرا وأخذ رجالا من زحلة عوضهم مظهرا أنهم جماعته الذين دخلوا معه وصحبته الشيخ غندور (السعد)، وأبو سمرا (غانم) وظل سائرا إلى كسروان. وجاء مثل ذلك في تأريخ أبي سمرا غانم صفحة 115، وأما كتاب «نكبات الشام» فإنه أخطأ في وصف هذه الموقعة في صفحة 95 وفي ما وضع عليه من الاستدركات صفحة 12 والصحيح الممحص ما رويناه في هذا التأريخ فليعتمد عليه الناقلون والمطالعون والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
أما تفصيل هذه الحادثة فهو أنه كان مصطفى نوري باشا قائد العسكر (سر عسكر ويسميه العامة ساري عسكر). قد جاء بيروت في 24 ك1 سنة 1841 ومعه عمر باشا النمسوي مع ألف وخمسمائة جندي نظامي، وفي 15 ك2 سنة 1842 استقدم إليه أعيان المسيحيين والدروز من جميع الطوائف والجهات، وقرأ عليهم التقليد (الفرمان) المؤذن بتعيين عمر باشا حاكما للبنان، فاجتمع في مجلسه الأمير حيدر إسماعيل اللمعي وأميران مسيحيان، فأهدى إلى كل منهم شالا من الكشمير النفيس ومسعطا (علبة عطوس) مرصعة بالألماس، وخلع على كل من المشايخ الخازنيين والحبيشيين والدحداحيين، وحنا الإسطنبولي وكيل وممثل بطريرك الموارنة، والسيد طوبيا عون الماروني أسقف بيروت، والسيد باسيليوس شاهيات أسقف زحلة، والسيد أغابيوس الرياشي أسقف بيروت ولبنان الكاثوليكيين، والسيد بنيامين أسقف بيروت الأرثوذكسي، وأعيان زحلة ولبنان، وأربعة مشايخ من الدروز عباءة من الجوخ القرمزي مطرزة بالقصب وعادوا إلى مواطنهم.
فلم يطل العهد على حكم عمر باشا حتى ثار الدروز عليه، فقبض على بعض شيوخهم وسجنهم في بيروت، واستحر بينهم وبينه القتال فتكدر من ذلك مصطفى باشا؛ لأنه كان يميل إلى الدروز بخلاف عمر باشا، فإنه كان يميل إلى المسيحيين. وكان مصطفى باشا قد أساء الظن ببعض أعيان زحلة، فأرسل ترجمانه جبران العوراء إليهم يوم الخميس في 24 أيار سنة 1842، ففاوض الأهلين وحرضهم على نبذ ما كان بينهم من الخلاف ثم عاد إلى الوزير.
ويوم الخميس في 4 ت1 سنة 1842 جاء مصطفى باشا إلى زحلة ببعض المدافع وألف جندي، فضربوا خيامهم في حارة الميدان، ووضعوا المدافع على تلة الحمار فوق المعلقة مصوبة إلى زحلة، وكان قد أوغر صدره غلبة الزحليين للدروز، فجمع سلاحهم وأعاد بعض جنوده في العاشر من هذا الشهر، ويوم الجمعة في 12 منه أمسك نحو عشرين نفرا من الزحليين، فبقوا في خيامه نحو ثلاثة أيام وتهدد وجوههم بقوله: إنكم قد فتحتم هذا الخندق وبنيتم هذه الشون تريدون بذلك العصيان على الدولة، فلا بد أن تطمروا الخندق وتهدموا الشون، وإلا رميت بلدتكم بقنابل هذه المدافع المصوبة (وأشار إليها بإصبعه). فاستأذنه عبد الله أبو خاطر وقال بجرأة: إن ذلك لم يكن إلا لوقاية البلدة من هجمات الدروز وأن هذا الخندق كان من أيام حملة مصطفى آغا قرملا
17
على زحلة في عهد الجزار، ثم جدده إبراهيم باشا المصري لما اتخذ زحلة نقطة لحركات عسكره. فأجابه أن الدولة تحميكم من المعتدين فلا لزوم للخنادق والشون. وبعد حديث طويل معه اشترك به بعض وجوه الزحليين لم يجدوا ندحة من هدم الشون وطمر الخندق، ففعلوا وأنقذوا البلدة من التخريب والتنكيل، وأطلق سراحهم في اليوم الثالث، ويوم الجمعة في 23 ت2 ترك زحلة بعساكره.
18
ناپیژندل شوی مخ