وتزرع فيه جميع أنواع الحبوب، حتى تقدر حاصلاتها السنوية بمليون مد ونصف مليون تقريبا على اختلاف أجناسها، كالبقاعي الأحمر والسلموني الأحمر والدوشاني والحوراني، والقطاني كالعدس والحمص والبيقة (الباقية) والكرسنة ونحوها، وأشهر عدسه ما زرع في سحمر ويحمر المشهورتين أيضا بالعنب الفاخر، الذي هو من حاصلاته الوافرة بعد الحبوب. وأهم معامل النبيذ في شتوره ودير كساره للآباء اليسوعيين، وفيهما العنب الجيد. أما تربية دود القز فأهمها في مشغره وسغبين والخربة وقب إلياس والمعلقة، ومجموع أعشاره السنوية نحو عشرة آلاف ليرة عثمانية. وقد جرب فيه القطن فلم تنجح زراعته، وكان فيه قبلا التبغ (الدخان) الجيد، ولكنه اليوم قليل.
ومن سهل البقاع وبعلبك وجبليهما يخرج نهر العاصي الذي يروي سوريا الشمالية. والليطاني الذي يجري إلى الجنوب، ونهر بردى الجاري إلى الشرق، ونهر إبراهيم الجاري إلى الغرب من بحيرة اليمونة، ونهر الغزير الخارج من قرب عين الجر. وجدول الخريزات من قرب خربة قنافار، ونهر عميق ونهر الشتا الخارج من قرب مشغره، ونهر البردوني من قاع الريم ونهر يحفوفه.
وشكله مستطيل واللبنانان له كالسور، وتشرف عليه القرى الكثيرة القائمة في سفوحهما وأسنادهما، فضلا عن كثير من القرى المتفرقة في بطحائه، وهو ينخفض إلى عمق ستمائة متر وينبسط إلى مسافة نحو مائة كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، ونحو تسعة إلى ثلاثة عشر كيلومترا من الشرق إلى الغرب. ومعدل ارتفاعه عن سطح البحر تسعمائة متر، وارتفاع تربته من ثمانية أمتار إلى عشرة، وفيه تلال قائمة في وسطه معظمها على محاذاة الجبلين، ولكن ما في البقاع الشرقي منها أكثر مما في الغربي، وعلى بعضها بنيت القرى العامرة الآن والخربة، كأنها جزيرة في بحر خضرته، وبين كل منها مسافة ساعة إلى ساعتين قيل إنها كانت مواقف لحمام الزاجل (الرسائل) ممتدة إلى حلب ودمشق وما إليهما، وقيل إنها اتخذت للبناء عليها تخلصا من الرطوبة، لكثرة مستنقعات هذا السهل الذي يقال إنه كان مغمورا معظمه بالمياه، حتى كان السكان يضطرون إلى اتخاذ القوارب للعبور من قرية إلى أخرى؛ ولذلك ذكر في بعض التواريخ باسم البحيرة ولن تزال عميق وغابها شاهدا على صحة هذا. فجفف بفتح الكوة قرب سحمر وفوقها جسر طبيعي من صخرين متساندين، تتسرب تحتهما مياه الليطاني على انخفاض نحو مائة قدم، يسمى إلى عهدنا بجسر الكوة.
3
وآخر هذه التلال من الجنوب تل جب جنين، ثم تل سعد قرب مشغره وتل عريض الراس قرب عتينيت، وتل دنوب وعليه قرية باسمه، وتل النبي زعور قرب قرية بر إلياس، وتل الأخضر وعليه قرية باسمه، وتل السرحون بحدود أرض معلقة زحلة، وتل الدلهمية وعليه قرية باسمه، وكذلك تل تربل وعليه قرية باسمه أيضا ، وتل عمارة وعليه قرية باسمه إلى غيرها مثل تل نمرا وتل رياق حيث القرية وموقف السكة الحديدية الكبير، ومن هناك إلى حلب تلال كثيرة.
4
وفي هذه البقعة ينابيع غزيرة، أهمها مياه شتوره وقب إلياس والفالوج قرب كامد، ثم عين الجر وعين زبدة، وينبوع مركبة بين قرية ميدونة وعين التينة، ونبع مشغره وهي والأنهر المار ذكرها آنفا تصب جميعها في نهر الليطاني. أما بحيراتها فبحيرة عميق في الغرب وقد جففت الآن، وبحيرة اليمونة في الشمال وبركة الزينية في المنحدر الشرقي للجبل الغربي، وبركة قطينة في الشمال قرب حمص، وهي بحيرة قدس المشهورة في التواريخ القديمة، ومن ينابيعها الدورية مياه عميق، ونبع عين الجر الذي يقال إنه هو ونبع بردى قرب الزبداني من أصل واحد، ونبع الأربعين في اليمونة الذي منه تتكون بحيرتها وتجري مياهه إلى أفقا فتكون نهر إبراهيم إلى غير ذلك، وفي البقاع شلال كهف الحمام فوق جسر الكوة.
ويفصل قضاء بعلبك اليوم عن البقاع خط، أوله نيحا في سفح الجبل الغربي، فأبلح أمامها في السهل ممتد إلى الدلهمية فتربل فحوش حالا، وهذه القرى جميعها من البقاع، ثم يتصل بعلي النهري قرب رياق وبيحفوفه التابعتين لقضاء الزبداني. فما إلى شمالي هذا الخط هو قضاء بعلبك، وما إلى جنوبيه هو البقاع ما عدا القرى الواقعة وراء تربل في الأكمة الصغيرة المنفصلة عن الجبل الشرقي، فإنها وإن كانت داخلة في البقاع بموقعها الطبيعي، فإنها من أعمال بعلبك. ويكون حده الشرقي منقلب الماء من الجبل الشرقي، ومعظمه في قضاء الزبداني. والجنوبي وادي التيم وجزين. والغربي المنقلب الشرقي للبنان الغربي من الشوف والمتن فقضاء زحلة. وفي القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد، غلب على هذا السهل الغربي اسم البقاع فدعاه ياقوت الحموي بقاع كلب؛ نسبة إلى قبيلة بني كلب التي كانت فيه، وعرف أيضا ببقاع العزيز نسبة إلى الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين الأيوبي الشهير؛ لأنه اعتنى بتجفيف أرضه وزراعته.
وفي القرن السابع عشر للميلاد كان يطلق اسم البقاع على معظم سهلي بعلبك والبقاع، إذ ذكر المحبي في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (1 : 177) أن البقاع العزيزي مقر ولايته كرك نوح، والبقاع البعلبكي المنسوب إلى بعلبك لقربه منها ليس له مقر ولاية، وأن هاتين الولايتين منفصلتان عن بعلبك لحاكم غير حاكمهما؛ ولذلك كان يقال لمجمل السهل سهل البقاعين وبعلبك، كما قرأنا ذلك في القرن الثالث عشر للميلاد.
ولقد اختلف تقسيم البقاع بحسب الحكام والزمان، فكان قسم من البقاع الغربي قديما تابعا للبنان. وكانت عيتنيت في القرن السابع عشر للميلاد تابعة لشوف الحراذين. وبعض قراه اليوم تابعة وادي التيم، مثل خربة روحا وغيرها. والبعض الآخر يتبع الأقضية المجاورة. وفي أثناء القرن التاسع عشر كان البقاع الغربي جميعه يسمى إقليم البياض، وقاعدته مدينة زحلة (راجع أخبار الأعيان لطنوس الشدياق صفحة 32)، ويسمى أيضا الشوف البياضي؛ لبياض تربته وصخوره في أكثر محلاته ولا سيما في قاعدته زحلة، وبقي تابعا للبنان إلى أواخر حكم داود باشا الأرمني أول متصرف عليه.
ناپیژندل شوی مخ