ومن محسناتها أن الخطاف (السنونو) يأتيها في الربيع والصيف، فيلتهم البعوض الذي يكثر في جوار النهر ويكف أذاه. وعلى الجملة فالمدينة صحية طيبة الهواء لذيذة الماء، فيها مناعة ضد الأمراض حتى لا يؤثر فيها أشدها فتكا تأثيره في غيرها.
هوامش
قدمها وآثارها
إذا لم يكن في زحلة من الآثار القديمة الضخمة مثلما يوجد في جوارها، ككرك نوح ونيحا وغيرهما، فليس ذلك بناف عنها أنها مدينة قديمة عاصرت العبادات الوثنية الأولية، وشاهدت الأساطير الخرافية. أما آثارها فإنها درست لأسباب، أهمها قلة الحجارة في هذا الوادي ومشارفه السفلى، فاتخذت حجارة تلك الأبنية للبيوت الحديثة، وهكذا طمرت المدينة القديمة بزحل الأرض عليها من الأسناد والروابي ونحو ذلك من الفواعل الطبيعية، ولا سيما الزلازل التي خربت بلادنا مرارا حتى في الأيام الأخيرة، ولا يزال اسم سيدة الزلزلة في زحلة شاهدا على هذه المؤثرات، وكذلك اسم «زحلة»، فضلا عن اجتياح الغزاة لهذه البقعة وتخريب هياكلها.
وإذا رجعنا إلى التواريخ القديمة واستقرينا أساطيرها وتقصينا في البحث عن العبادات، نستشف من ورائها ما يدل على أن زحلة كانت من المدن التي احتفلت احتفالات وثنية، وضجت للمعبودات الخرافية؛ لوقوعها في سورية المجوفة (كيلوسيري) ولوجود نهر غزير المياه فيها، والهياكل كانت تبنى على ضفاف الأنهار وقرب الينابيع، كما هو الحال في معظمها إن لم نقل في كلها بلا استثناء. وكثرة كرومها التي اتخذت خمورها لاحتفالات ديونيس أو باخوس كما سيأتي.
ولقد اعتقد كثير من المؤرخين القدماء أن إحدى الجنان الأرضية في هذا السهل الأفيح بين الجبلين لبنان الغربي والشرقي (أنتيلبنان)؛ ولذلك كثرت فيه مدافن الأجداد الأولين، مثل نوح وشيت وهابيل وقايين ويوشع وإيليا وغيرهم من الأولياء والأنبياء. وتابعهم في هذا الرأي مؤرخو العرب من مسلمين ومسيحيين، حتى إن الدويهي كبير مؤرخي الطائفة المارونية قال في تاريخه المطبوع في بيروت صفحة 116 ما نصه: «ولما طرد من الفردوس آدم سكن جبل حرمون (الشيخ)، وسكن أولاده شرقي الفردوس في البقعة، وبنوا قلعة بعلبك واستنبطوا الطبول والزمور وكانوا قوما جبابرة. وتدل على ذلك مدافن هابيل وقايين وشيت التي هي بالقرب منها.»
وروى الأب بطرس مرتين اليسوعي في تاريخ لبنان، الذي عرب قسم منه وطبع في بيروت صفحة 135ما يؤيد هذا الرأي، إذ قال: إن الأب بلنشه اليسوعي سمع السيد أغناطيوس العجوري مطران زحلة الكاثوليكي يقول: «إن إبرشية زحلة تسمى بإبرشية الفردوس؛ لأن بعض التقليدات القديمة تعين الفردوس الأرضي في هذه الأمكنة.» وذكر بعض علماء الإنكليز ما يؤيد بناء بعلبك قبل الطوفان بقوله: «إن البهموت - وهو حيوان أضخم من الفيل انقرض بالطوفان - هو الذي نقل حجارتها الضخمة على ظهره لما بناها قايين معقلا يتحصن به من أعدائه.» وقال آخرون: إن بردى محرف الفردوس، وكذلك الفرزل
1
في ضواحي زحلة. ويقال: إن قبر جدنا آدم في قرية تسمى الزبداني،
2
ناپیژندل شوی مخ