مركب النقص ومركب العظمة
المجتمعات الوسط
مدينة الملائكة
مدينة الملائكة
تأليف
يوسف إدريس
مدينة الملائكة
في لحظة إحساس باللافاعلية والضيق بالصبر وانعدام الدور والجدوى؛ لحظة من تلك اللحظات التي كثيرا ما تنتاب أيا منا أمام ما يتصوره وما يجده من عقبات هائلات كأنها جبال تفاهات شامخة، دق جرس التليفون دقا دوليا في العاشرة مساء: - ألو، صباح الخير (دهشت)، أقصد مساء الخير ... فلان؟! - نعم، صباح الخير أو مساء الخير، أهلا وسهلا. - أنا عفاف لطفي السيد ... الدكتورة عفاف لطفي السيد الأستاذة في جامعة لوس أنجلوس. - أهلا وسهلا ... عفاف لطفي السيد؟ - نعم. - ابنة أستاذ الجيل؟ - ابنته الروحية ولكن والدي كان سعيد لطفي السيد باشا شقيقه. - أول رئيس للإذاعة المصرية؟ - تماما. - أهلا وسهلا، أهلا وسهلا. - لقد كلفتني جامعة لوس أنجلوس بأن أعرض عليك أن تحضر إلى الجامعة كأستاذ كاتب زائر لمدة ربع عام أو عام حسبما يسمح وقتك فما رأيك؟!
كان أول خاطر سريع أن أقبل فورا؛ ففي تلك اللحظة كنت مستعدا لتلبية أي نداء قدري يأتيني ولو بالذهاب إلى واق الواق.
لقد كنت أحتار إذا سألني أحد السائلين عن هواياتي، كنت أفتش حياتي فلا أجد لي هواية واحدة تصلح للذكر؛ فلا أنا رياضي ولا شطرنجي ولا إلى أي نشاط اجتماعي أنتمي. والانطواء أحب إلي كثيرا من الجلوس في ناد، ولا أصطاد بالبندقية، وحظي في صيد السمك صفر. أخيرا جدا اكتشفت أن كثرة حبي للسفر تعد هوايتي الحقيقية، والعام الماضي كله تقريبا قضيته على سفر: دعوة لحضور مهرجان الشعر الشبابي في العراق، دعوة من الجمعية العربية السويدية لاستوكهلم، دعوة من وزارة العلاقات الثقافية الخارجية لزيارة فرنسا، دعوة من هيئة «البروهيلفيسيا» السويسرية (ما يقابل المجلس القومي للثقافة عندنا) لزيارة سويسرا، وكان رفيقي في الدعوة صديقي وأستاذي الدكتور لويس عوض الذي لا أمل مداعبته، ولم أمل طوال الأسابيع الثلاثة التي قضيناها في سويسرا ... وها هي الآن دعوة إلى كاليفورنيا ولوس أنجلوس وجامعة عتيدة مهيبة اسمها
ناپیژندل شوی مخ