لماذا الطب مقدس؟
حسن جدا بادرت بفعله نقابة أطباء القاهرة والنقابة العامة للأطباء من إحالة الدكتور أحمد شفيق إلى مجلس تأديب لخروجه على المادة الثامنة من آداب مزاولة مهنة الطب؛ ذلك أن مهنة الطب لها وضعها الخاص بين مختلف المهن التي يزاولها الإنسان؛ فالطبيب ليس مجرد مهني آخر يزاول مهنة أخرى كالهندسة أو التدريس، الطبيب مهنته صيانة روح وجسد الإنسان، وأنت حين تذهب للطبيب تسلم نفسك تماما له، بحيث تؤمن تماما بما يقول، وتستسلم لمبضعه إذا شاء أن يجري لك عملية جراحية، ممكن في أثنائها أن يصنع بجسدك ما يشاء. كذلك إذا ذهبت إلى طبيب نفسي، أنت تدلي له بكل الأسرار التي لا تستطيع أن تدلي بها لأخيك أو لصديقك أو إلى أعز الناس وأقربهم منك؛ إذ أنت تعتبره الأمين أمانة عظمى على كل هذه الأسرار؛ ولذلك فكل المهن من قديم الزمان كان ممكنا أن تزاولها بمجرد الحصول على مؤهلاتها ما عدا الطب، فلا بد أن يقسم قسم أبو قراط أبو الطب في مزاولة عمله بمنتهى الأمانة والمسئولية والصدق والمحافظة على مريضه والعمل بكل ما يملك على شفائه. قسم أبو قراط هذا شيء رمزي محض يرمز إلى جعل الطبيب الشاب يحس بأهمية وخطورة المهنة التي سيبدأ في مزاولتها، بل يحس تجاهها بنوع من القداسة والتبجيل. وأذكر ونحن في المدارس الابتدائية أنه كان مقررا علينا في كتاب المحفوظات قطعة تتحدث عن الطبيب ما زلت أذكر إلى الآن منها هذه الفقرات: رعاك الله يا رسول الرحمة، ومنقذ المرضى، وملجأ الملهوف؛ إن يدك التي تطيب المريض ليست كأيدينا، ومشرطك الذي يعالجه ليس مبضعا، وإنما هو إصبع ملاك حارس يجتث العلة ... إلخ.
من أجل هذا تحاط مهنة مزاولة الطب بكل الاحتياطات التي تمنع بعض الأطباء الشاذين - وليس كل الناس أسوياء - من استغلال جهل المريض أو عدم إدراكه حقيقة مرضه أو «النصب» عليه أو الاحتيال أو إساءة استعمال أسراره. وأذكر في هذا القبيل أحد «الزملاء» الأطباء، زمان، كان يعمل في قرية وكانت لديه ثلاجة تضيء إذا فتح بابها كالعادة، فكان يقول للمريض: تعال أعملك إشاعة. ويوقفه أمام الثلاجة فتضيء ثم يغلقه ويقول للمريض: خلاص، عملنا الإشاعة. ويتقاضى منه خمسة جنيهات إضافية مقابل تلك الإشاعة. وكثيرة هي أمثلة النصب والاحتيال، ولكن المهنة في مجموعها والأطباء في مجموعهم، وحسب خبرتي حتى كمريض، أناس يحتلون أعلى المقامات بالذمة والأمانة والانضباط.
ولهذا يحاط أيضا، استعمال أي عقار جديد، بضمانات شديدة الدقة خاضعة تماما للأصول العلمية؛ حتى لا تنقلب المسألة إلى فوضى ويصبح أي طبيب حرا في أن يجرب على مرضاه كل ما يخطر على باله من أدوية يخترعها أو يدعي أنها جديدة. لا بد من إقرار أي دواء جديد بواسطة الجهات العلمية المختصة، ثم بعد هذا ترخص وزارة الصحة باستعماله ويعطى رقم ترخيص، وأي طبيب يستعمل عقارات أو كيماويات غير مرخص باستعمالها عقوبته السجن، وليس مجرد الإنذار أو التأديب.
أما أن يؤدي هذا إلى تثبيط همم الأطباء الذين يريدون أن يخترعوا أو يبتكروا فهذا قول ساذج تماما وغير صحيح بالمرة؛ فباب الاجتهاد والاختراع مفتوح على مصراعيه، ولكن، ومهم جدا كلمة ولكن هذه، هناك ضوابط علمية دقيقة موضوعة كلها لمصلحة المريض. إذن على الطبيب الذي يكتشف أو يخترع أن يتقدم إلى الجهة العلمية المختصة باكتشافه، ويطلب الإذن بالتجريب على الحيوانات، ومئات الجداول، ومتطلبات أخرى كثيرة تتأكد الجهة العلمية من فاعلية الدواء ومن تركيبه الكيمياوي ومن أضراره الجانبية أو عدم وجودها، ومن تعارضه مع أدوية أخرى أو عدم تعارضه. بعد هذا تأذن الجهة العلمية بالترخيص للطبيب باستعمال الدواء الجديد على المرضى - وأيضا تحت إشراف علمي دقيق - حتى إذا نجحت التجارب على المرضى يعتمد الدواء، ويسمح بالنشر عنه في مؤتمرات الطب والدوريات العلمية ويصرح لمعامل الأدوية بتصنيعه حينذاك فقط.
أما أن تواجه وسائل الإعلام، من خلف كل الجهات العلمية، بدواء جديد، فلو حدث ذلك في أي بلد في العالم لشطب اسم الطبيب من قائمة المزاولين لمهنة الطب وقدم للمحاكمة فورا؛ فالمسائل ليست فوضى أبدا، بل إن هناك في إنجلترا قواعد دقيقة لكتابة اللافتة التي تحمل اسم الطبيب بحيث لا يزيد عن العشرة سنتيمترات بأي حال، بل إن هناك مادة في قانون مزاولة المهنة في إنجلترا تمنع الجرائد والمجلات من نشر أي شكر للطبيب المعالج على صفحاتها، فإذا حدث وقبل الطبيب أن ينشر شكره فإن اسمه يشطب فورا من النقابة أو بتعبير الإنجليز أنفسهم «أي يكشط كشطا» من قائمة الأطباء.
فما بالك بعقد المؤتمرات والظهور والسهرات في الإذاعة والتليفزيونات؟! إن عودة نقابة الأطباء إلى إحكام قبضتها على أخلاقيات مزاولة مهنة الطب في ظل الفوضى الأخلاقية والذممية التي تحيا فيها، لعمل عظيم وجاد وآن أوانه بعدما كاد أن يفلت الذمام.
خطاب من راكبة أتوبيس
سلامي تحياتي
رجاء أن أحيط سيادتكم علما بالآتي: نحن صنف المرأة نعاني الأمرين في المواصلات - الزحام شديد جدا والاختلاط فيه لا يليق مطلقا، يعلم الله المواصلات بالنسبة لنا رعب - وركوب الأتوبيس بالنسبة لي أنا بالذات جهنم الحمراء. كتبت لحضرتك بالذات لأنك تستطيع أن تقدر مدى الإهانة النفسية والألم لمجرد اتخاذ الاحتياط والدفاع عن النفس.
ناپیژندل شوی مخ