مدینه فاضله عبر تاریخ
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
ژانرونه
28
ويباشر جميع السكان، مع الاستثناءات القليلة التي ذكرناها بالفعل، حرفة نافعة، ولا يعود العمل عبئا ثقيلا عليهم بعد تخفيض ساعات العمل والسماح بفترة كافية لوقت الفراغ: «وإلى جانب الزراعة، التي يشترك فيها الجميع، يتعلم كل منهم حرفة معينة خاصة به. وهذه عادة إما نسج الصوف أو الكتان، وإما البناء أو صناعة المعادن أو النجارة. وأما بخلاف ذلك فلا توجد أعمال يقوم بها عدد يذكر ...
وغالبا ما يتعلم الشخص صناعة أبيه، التي يميل إليها ميلا طبيعيا، أما إذا استمالته صناعة أخرى، فإنه ينقل بالتبني إلى أسرة تزاول تلك الصناعة التي يميل إليها. ولا يحرص والده فقط، بل السلطات المعنية أيضا على أن يوضع تحت إشراف رب أسرة وقور شريف. نعم، وإذا رغب شخص، بعد أن يتعلم حرفة معينة، في أن يتعلم حرفة أخرى، سمح له بذلك. أما وقد تعلم الحرفتين، فله أن يمارس الحرفة التي يختارها، ما لم تكن المدينة بحاجة إلى واحدة منهما أكثر من الأخرى.
أما الوظيفة الرئيسية والوحيدة تقريبا لرؤساء المدينة أو السيفوجرانت، فهي أن يعملوا ويدبروا أمر المدينة بحيث لا يبقى رجل عاطلا، بل يمارس كل عمله بجد، ومع ذلك لا يرهق مثل دواب الحمل بالعمل المستمر، من الصباح المبكر حتى وقت متأخر من الليل. فمثل هذه الحياة أسوأ من حياة العبيد، ومع ذلك فتكاد تكون هي حياة العاملين في كل مكان، ما عدا يوتوبيا. أما اليوتوبيون فيقسمون اليوم إلى أربع وعشرين ساعة متساوية، يخصصون ست ساعات منها فقط للعمل: ثلاث ساعات قبل الظهر، يذهبون بعدها لتناول الغداء، ويستريحون ساعتين بعد الغداء، ثم يعاودون العمل ثلاث ساعات أخرى يتناولون بعدها العشاء. ولما كانت الساعة الواحدة تحسب ابتداء من الظهر، فهم يخلدون إلى النوم حوالي الساعة الثامنة، ويخصصون ثماني ساعات لذلك.
أما الأوقات التي تتخلل ساعات العمل، والنوم، والطعام، فيقضيها الشخص كما يشاء لا يضيعها في اللهو والبطالة، ولكنه يشغل وقت الفراغ بنوع آخر من النشاط، كل تبعا لميله الخاص. وتخصص هذه الأوقات عادة للنشاطات العقلية. فمن العادات المتبعة لديهم أن تلقى المحاضرات يوميا قبل بزوغ الشمس، ويكون الحضور إجباريا فقط لأولئك الذين اختيروا لتكريس أنفسهم للعلم. ولكن عددا كبيرا من جميع الفئات، ذكورا وإناثا، يحتشدون لسماع المحاضرات ، يسمع بعضهم هذه، والبعض الآخر تلك، كل وما يتفق وطبيعته وميوله. أما إذا أراد شخص أن يقضي هذا الوقت في العمل (كما هو الحال عند كثير من الأذهان التي لا ترقى إلى مستوى أي نوع من التدريبات العقلية العليا) فلا يحال بينه وبين ذلك، بل يمتدح بالفعل لأن في عمله فائدة للدولة. وبعد العشاء يقضون ساعة في الاستجمام، في الحدائق صيفا، والقاعات العامة التي يتناولون فيها الطعام شتاء، يعزفون الموسيقى أو يتسامرون.»
29
وهنا يتنبأ مور باعتراضات كثيرة يمكن أن تثار احتجاجا على تخفيضه لساعات يوم العمل، ويشرح كيف يتم ذلك بحجج تبين بوضوح أن فكرته ليست يوتوبية: «فقد يتبادر إلى الأذهان، لأنهم يخصصون ست ساعات فقط للعمل، أن ذلك سيؤدي إلى بعض النقص في الأشياء الضرورية. لكن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك، لدرجة أن ذلك الوقت المذكور لا يكفي فقط لإنتاج كل ما هو مطلوب من أشياء، لا من ضروريات الحياة فقط، بل أيضا مما يجعل الحياة مريحة. وستفهمون هذه الظاهرة أيضا إذا تأملتم هذا الجزء الكبير من السكان الذي يعيش في البلاد الأخرى بدون عمل. فهناك أولا جميع النساء تقريبا، ويشكلون نصف العدد الكلي. أما حيثما تعمل النساء فيغط الرجال في النوم بدلا منهن. وفضلا عن ذلك فما أعظم وأكسل هذا الحشد من الكهنة ورجال الدين كما يسمونهم ... أضف إلى ذلك جميع الأغنياء وخاصة أصحاب الضياع ممن يسمون عادة الوجهاء أو النبلاء. أضف إليهم أتباعهم وأعني ذلك القطيع من الرجال المنتفخي الأوداج الذين لا يصلحون لشيء ... وأضف أخيرا المتسولين الأصحاء الأقوياء الذين يجدون في مرض من الأمراض حجة للبطالة. ومن المؤكد أنكم ستجدون أن أولئك الذين ينتجون بعملهم كل تلك الأشياء التي يحتاج إليها بنو البشر في حياتهم اليومية أقل بكثير مما كنتم تتصورون. والآن لنتأمل كم يبلغ من بين أولئك الذين يعملون، عدد القلة التي تشتغل بأعمال ضرورية. ففي المجتمع الذي يقاس كل شيء فيه بالمال، من الضروري أن يمارس الناس حرفا كثيرة، عديمة الجدوى وغير ضرورية ، ولا تخدم إلا الترف، والإفراط في الشهوات. فإذا ما وزع هذا العدد الكبير الذي يعمل الآن على ذلك العدد الصغير من الحرف، الذي يتناسب مع العدد الصغير من الضروريات والمنافع التي تتطلبها الطبيعة، فسينتج منه الأشياء بوفرة عظيمة بالضرورة، مما يؤدي دون شك إلى انخفاض الأسعار، بحيث لا يستطيع أصحاب هذه الحرف كسب عيشهم. أما إذا كلف بأعمال نافعة جميع أولئك الذين يشتغلون بأعمال غير نافعة، وكذلك كل ذلك الحشد من الكسالى والعاطلين، والذين يستهلك كل منهم من ثمرة أعمال غيره من العاملين ضعف ما يستهلكه اثنان من هؤلاء العاملين، (أقول) إذا كلف هؤلاء جميعا بالاشتغال بأعمال نافعة، فسترون بسهولة كيف يكفي قليل من الوقت، بل ويزيد لإنتاج جميع الأشياء المطلوبة، الضرورية منها والنافعة، نعم، بل حتى ما تتطلبه المتعة، ما دامت هذه المتعة صادقة وطبيعية.»
30
ويمكن تخفيض ساعات العمل، ليس عن طريق توزيع العمل بصورة أكثر عدلا ومساواة فحسب، بل بتجنب تبديد طاقة العمل: «وفضلا عن ذلك، هناك ميزة أخرى هي أنهم لا يحتاجون في معظم الحرف اليدوية إلى ذلك القدر من العمل الذي تحتاج إليه الشعوب الأخرى. ففي المقام الأول تتطلب إقامة المباني وترميمها أن يعمل كل هذا العدد الكبير بصفة مستمرة في البلاد الأخرى، لأن ما يبنيه الأب، يؤدي به إهمال الابن المسرف تدريجيا إلى السقوط. ونتيجة لذلك، فما كان يمكن أن يصان بالقليل من التكاليف، يضطر خلفه إلى إعادة بنائه مما يكلفه الكثير. وفضلا عن ذلك، فكثيرا ما يحدث أن يكلف بناء منزل شخصا ما مبلغا طائلا من المال، ثم يأتي فيجده لا يتفق وذوقه الخاص فيهمله. ويؤدي إهماله إلى سرعة تساقطه، فيبني بيتا آخر في مكان آخر بتكاليف لا تقل عن التكاليف الأولى. أما في بلاد اليوتوبيين، حيث تدبر الأمور كما ينبغي وترعى المصلحة العامة رعاية منظمة، فإن إقامة بيت جديد في مكان جديد حدث نادر، ذلك أنهم لا يكتفون بترميم أي تلف بمجرد حدوثه، بل يحرصون على تلافي حدوث التلف. فماذا تكون النتيجة؟ النتيجة هي أن تظل المنازل قائمة مدة طويلة جدا، بأقل قدر من العمل. ويجد البناءون والنجارون أنفسهم أحيانا بغير عمل تقريبا، فيما عدا ما يكلفون به في هذه الأثناء من قطع الأخشاب في منازلهم وقطع الأحجار وإعدادها، حتى إذا دعت الحاجة إلى إقامة بناء، تم ذلك بسرعة.»
31
ناپیژندل شوی مخ