مدینه فاضله عبر تاریخ
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
ژانرونه
Lord Acton «مفسدة، وأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة». وليس في جمهورية المثالية شيء عن مراقبة سلطة الحكام، كما أننا لا نجد شيئا يمكن أن يمنع المساعدين (أو المحاربين) من التصرف مثل الأسبرطيين الذين كانوا، كما يقول بلوتارك، يبتهجون ابتهاجا شديدا بذبح عبيدهم.
إن من الأمور المحيرة أن تثير جمهورية أفلاطون كل هذا الإعجاب على مر العصور، كما أن من المفارقات الغريبة أن يكون على رأس المعجبين بها رجال تعارضت مبادئهم تماما مع مبادئ أفلاطون. لقد امتدحها شعراء كان أفلاطون سيطردهم من جمهوريته، وأثنى عليها ثوريون ناضلوا من أجل إلغاء العبودية، ويبدو أنهم لم يدركوا أن نظام أفلاطون قد قام على العبودية، وأطراها ديمقراطيون على الرغم من الحقيقة التي تقول إن المرء لا يستطيع أن يتصور حكما أشد استبدادا من حكم الحراس، كما نالت الاستحسان بوصفها نموذجا للمجتمع الشيوعي، مع أن من الواضح أن مشاعية السلع لا تسري إلا على الطبقة الحاكمة، وأن الملكية الخاصة متركزة في أيدي طبقة لا تملك - على العكس مما تقول به المذاهب الماركسية - أي سلطة سياسية.
إن التحمس الذي أبداه العديد من المفكرين المستنيرين لجمهورية أفلاطون يمكن تفسيره من ناحية بأنهم نسبوا إليه أفكارا تمنوا له أنه اعتنقها، ومن ناحية أخرى بأن هؤلاء المفكرين، الذين كانت خبرتهم قليلة عن الدول الشمولية، لم يتصوروا عيوب هذه الدول. ومن سوء حظنا أن أوهامنا عن مزايا الدولة الشمولية، مهما ادعت الحكمة، قد أصبحت قليلة. وأننا قد بدأنا نشعر بأن كل واحد منا يمكنه أن يكون أفضل حارس على نفسه. (2) بلوتارك (من حوالي 46م إلى حوالي 119م): «حياة ليكورجوس»
تنافس أسبرطة أثينا في تأثيرها على الفكر اليوتوبي، وكما اعتبرت أثينا مرادفة لجمهورية أفلاطون، فقد نظر إلى أسبرطة قبل كل شيء من خلال الصورة النموذجية التي قدمها بلوتارك في القرن الأول قبل الميلاد، عن ليكورجوس الذي تصفه الرواية التاريخية المأثورة بأنه هو الذي وضع تشريع أسبرطة. ويقول بلوتارك نفسه إننا «لا نعرف عنه شيئا يقينيا مؤكدا، وأقل ما نعرفه عنه هو العصر الذي عاش فيه»، بل ربما وجد شخصان باسم ليكورجوس، وعاشا في أسبرطة في عصرين مختلفين. ويزعم بلوتارك أن التنظيمات التي تنسب إلى هذه الشخصية شبه الأسطورية قد استمر العمل بها لمدة خمسمائة عام.
وسواء اعتمدت رواية بلوتارك على الحقائق التاريخية، أو كانت من وحي خياله، فليس لذلك أهمية كبيرة، إذ ينصب اهتمامنا هنا على تأثير القوانين والتنظيمات التي وصفها على الدساتير واليوتوبيات المثالية اللاحقة، ولم يكن لهذا التأثير أن يزداد قوة لو كان ليكورجوس قد وجد وعاش بالفعل.
كان ليكورجوس، قبل أن يتولى إدارة شئون أسبرطة، قد أمضى سنوات عديدة في التنقل بين كريت وآسيا ومصر ، حيث يقال إنه استطاع أن يحصل معرفة سياسية بأسلوب علمي.
على نحو ما يقارن الأطباء الأجسام الضعيفة والعليلة بالأجسام الصحيحة والقوية، «كذلك كان ليكورجوس محظوظا عندما كسب تأييد الأسبرطيين الساخطين على حكم الملوك، وتأييد الملوك أنفسهم على أمل أن يصبح الناس في ظل وجوده أقل وقاحة في معاملتهم لهم». ولكنهم سرعان ما اكتشفوا أنه لم يكن من محبي السلام، ولا من المصلحين المتزنين، وإنما كان يبيت النية على القيام بثورة كاملة؛ إذ كان من رأيه أن التغيير الجزئي وإدخال بعض القوانين لن يكون أمرا مجديا، لأنه من الضروري «كما في حالة الجسم المريض المعتل المزاج، الذي تصحح الأدوية مزاجه وتشكله من جديد، أن يبدأ نظاما جديدا في العلاج».
وقد استولى على السلطة عن طريق «الانقلاب» المألوف في أيامنا، وذلك إذا استثنينا استشارته لنبوءة معبد دلفي (والحكام المستبدون في عصرنا يلجئون بوجه عام إلى استشارة إحدى القوى الأجنبية). فقد أمر ثلاثين من المواطنين المسلحين بالظهور في الأسواق في وضح النهار «لإثارة الذعر في كل من يفكر في معارضته». ونجح في بث الخوف في نفس الملكين اللذين منحاه تأييدهما، ثم قام مباشرة بتشكيل مجلس للشيوخ مكون من ثمانية وعشرين عضوا (وهم الرجال الذين ساعدوه في مشروعه، أي في حزبه) بحيث تشكلت منهم، مع الملكين، هيئة من ثلاثين عضوا. وبعد ذلك أصدر أوامره - حرصا منه على سد أي فراغ - باختيار أفضل الرجال المرموقين من بين الشيوخ الذين بلغوا الستين من عمرهم، وتم بالفعل انتخابهم بإجماع الشعب.
أما مجلس الشيوخ، الذي كان من قبل يشارك في «سلطة الملوك، وكانت قوته بلا حد ولا قيد، بل كان يتمتع بسلطة مساوية لسلطة الملوك، فقد كان هو وسيلة إبقائهم (أي الملوك) ضمن حدود الاعتدال، فضلا عن أنه ساهم مساهمة فعالة في الحفاظ على الدولة. وقد كانت أحوال الدول قبل ذلك متقلبة ومضطربة، وكانت تميل حينا إلى السلطة التعسفية، وحينا آخر إلى الديمقراطية الخالصة، ولكن مثل هذا المجلس كان بمنزلة عامل استقرار، وحافظ على توازن الدولة ووضعها في وضع مأمون، وهكذا كان أعضاء المجلس الثمانية والعشرون يقفون في صف الملوك كلما وجدوا الشعب يتجاوز حدوده، كما كانوا من ناحية أخرى يقفون في صف الشعب كلما حاول الملوك أن يجعلوا سلطتهم مطلقة». ومع ذلك فلم يخبرنا أحد كيف تحلى مجلس الشيوخ بمثل هذه النزاهة التي تثير الإعجاب.
وكان يساعد مجلس الشيوخ في أعماله مجلس للشعب، لم يكن له حق المناقشة، بل سلطة قبول أو رفض ما يقترحه عليه مجلس الشيوخ والملوك، وأمر ليكورجوس (من خلال نبوءة معبد دلفي) أن يعقد الشعب اجتماعاته في الهواء الطلق، إذ كان من رأيه أن القاعات المغلقة «لا تعود على المجلس بأي فائدة، وإنما تعوق العمل، لأنها تشتت انتباه أعضائه وتشغلهم بالتفاهات، وذلك بتأمل التماثيل والصور والسقوف الفخمة والانشغال بالزخارف المسرحية».
ناپیژندل شوی مخ