مدینه فاضله عبر تاریخ
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
ژانرونه
وأدركت من البداية أنه لا يعرف الكثير عنه باستثناء الاسم، لأني حين طلبت منه أن يشرح معناه، تبين لي أن فكرته عنه هي نوع من الضعف العقلي الذي يجعل الناس يكدسون أشياء كثيرة بغير فائدة.
إن جميع الأستراليين يملكون وفرة من كل ما هو ضروري لحياتهم، ولكنهم لا يعرفون معنى التكوين أو التكديس ولا يحتفظون بأي شيء للغد، وطريقة معيشتهم هذه تعد الصورة الكاملة للوضع الذي كان الإنسان الأول يستمتع به في الجنة.
أما عن الطموح، فقد كانت لديه فكرة فجة عنه، إذ عرفه بأنه هو رغبة الناس في أن يكونوا أرفع شأنا من غيرهم.
كان فوانيي أول يوتوبي يتصور مجتمعا بغير حكومة. وقد لاحظ السمة الليبرالية لهذه اليوتوبيا المؤرخ ماكس نيتلاو
Max Nettlau
الذي يذكرها في الببلوجرافيا التي وضعها عن اليوتوبيات الفوضوية. والواقع أن الأستراليين ليس لهم حكومة مركزية، وكل القرارات تتخذ في المجالس المحلية لكل حي على حدة. ولا تقوم الدولة بإمداد السكان بالطعام، كما نجد في اليوتوبيات السابقة، وإنما يأتي به أعضاء كل منطقة كل صباح عندما يلتقون في مؤتمرهم اليومي. وحتى في الحروب لا يوجد قادة: «... يبدو لي أن أكثر ما يثير الإعجاب بهم هو أنهم يعيشون حياتهم مستغنين عن أي قائد أو وصي عليهم، فهم يلتزمون - بغير اتفاق أو اتصال سابق بينهم، وبغير أن يتلقوا أي توجيهات أو تعليمات بذلك - يلتزمون بالحد الأقصى من النظام والانضباط، حتى ليحسب الإنسان أنهم جميعا قادة متمرسون، وأنهم مشغولون على بكرة أبيهم بنفس الخطة، ومتفقون على وسائل تنفيذها.»
وخلال هذا الحديث مع جيمس سادير يشرح العجوز «فلسفته الفوضوية»
12
فيقول: «أخبرته أنهم في أوروبا يسيرون على مبدأ مفاده أن الجماهير إذا لم تخضع للنظام أثارت الاضطراب والفوضى، حيث يختفي التقدير لطيبات الحياة، وأن النظام يفترض وجود رأس مدبر يخضع له الجميع. وهنا انتهز الرجل العجوز الفرصة ليشرح المذهب الذي أدركت معناه، وإن كان من المستحيل أن أعرف به الآخرين بمثل عباراته القوية الحاسمة التي استخدمها لكي يتيح لي أن أفهمه.
قال إن الطبيعة قضت بأن يولد الإنسان حرا ويعيش حرا، ولهذا فإن إخضاعه لأي شيء لا بد أن يفسد طبيعته وأن يهبط به إلى مستوى أدنى من مستوى الحيوانات، لأن الحيوانات لم توجد إلا لخدمة الإنسان، والخضوع شيء طبيعي بالنسبة لها. أما الإنسان فلم يولد في خدمة إنسان آخر، والإكراه في هذه الحالة سيكون نوعا من العنف الذي يصل إلى حد تجريد الإنسان حتى من وجوده كإنسان، ثم أخذ يتوسع في هذه الفكرة ليثبت أن إخضاع شخص لشخص آخر هو إخضاع للطبيعة البشرية ذاتها، وجعل الإنسان عبدا لنفسه، بحيث تنطوي في هذه العبودية على أقصى درجة من التناقض والعنف يمكن تصورها، وأضاف أن ماهية الإنسان تكمن في الحرية، ولا يمكن أن تسلب منه الحرية دون أن يؤدي هذا إلى تدميره، ولهذا فإن الذي يسلب الآخر حريته فإنما يجعله بشكل ضمني يعيش دون ماهيته الخاصة.
ناپیژندل شوی مخ