فمن اعتصم بنور كتاب الله وبرهانه، واتبع ما فيه من أموره وتبيانه، أدخله الله كما قال سبحانه مدخلا كريما، وهداه به كما وعد صراطا مستقيما، ومن أبصر به واهتدى، لم يعم بعده أبدا، ومن عمي عنه فلم ير هداه، وتورط من غيه ورداه، في بحور ذات لج من الجهالات، وتخبط في غور لجج من الضلالات، لا يخرج من تورط فيها من ضيق غورها، ولا ينجو غريق بحورها، من نار تبوبها، وحيرات سهوبها، فلا صريخ له فيها ينقذه من تب، ولا هاد يهديه منها في سهب، فهو في لج بحورها في تبوب، ومن ضلالات غورها في سهوب، متحير بين هلكة وثبور، وضلال حيرة في ظلمة وبحور، موصول ضلاله وعماه، بما هو فيه من عاجلته ودنياه، بعمى من الآخرة لا يبيد، بل له فيها البقاء أبدا والتخليد، كما قال سبحانه: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} [الإسراء:72]، فمن لم يستدل على أمر دنياه وآخرته بكتاب الله فلن يصيب عليه أبدا دليلا، ومن لم ينج به من خبوت الحيرة والجهالة، ويحيى بروحه من موت العمى والضلالة، لم يزل لسبيل الجهل سالكا، وبموت العمى والضلال هالكا؛ لأن الله جعله روحا من موت الضلالة محييا، وضياءا من ظلم الجهالة منيرا مصحيا، فمن أحياه الله بروحه فهو الحي الرضي، وما كان فيه من حق فهو المصحي المضيء، لا تلتبس به الأغاليظ، ولا تشوبه الأخاليط، فهو النقي المحض، والجديد أبدا الغض، لا يخلق جدته تكرار، ولا يدخل محضه الأكدار، بل نقي من ذلك كله فصفى، فأغنى بمن الله وكفى، فليس معه إلى غيره حاجة ولا فاقة، ولا يغلب حجته من ملحد فيه لدد ولا مشآقة.
مخ ۲۰