وكان الحرب والغزو مما طبعت عليه طبيعتهم العربية، وألهمتهم إياه معيشتهم البدوية، حتى صارت الحرب مسلاة لهم وملهى فقال قائلهم (١):
وأحيانًا على بكر أخينا *** إذا ما لم نجد إلا أخانا
هانت عليهم الحرب وإراقة الدماء حتى كانت تثيرها حادثة ليست بذات خطر، فقد وقعت الحرب بين بكر وتغلب ابني وائل ومكثت أربعين سنة أريقت فيها دماء غزيرة، وما ذاك إلا لأن كليبًا- رئيس معدّ- رمى ضلع ناقة البسوس بنت منقذ فاختلط دمها بلبنها وقتل جساس بن مرة كليبًا، واشتبكت الحرب بين بكر وتغلب، وكان كما قال المهلهل أخو كليب: «قد فني الحيان وثكلت الأمهات ويتم الأولاد دموع لا ترقأ وأجساد لا تدفن (٢»
كذلك حرب داحس والغبراء فما كان سببها إلا أن داحسًا فرس قيس بن زهير كان سابقًا في رهان بين قيس بن زهير وحذيفة بن بدر فعارضه أسدي بإيعاز من حذيفة فلطم وجهه وشغله ففاتته الخيل، وتلا ذلك قتل ثم أخذ بالثأر ونصر القبائل لأبنائها، وأسر ونزح للقبائل، وقتل في ذلك ألوف من الناس (٣) .
وكانت الحياة كلها شبكة محبوكة من تراث وثارات وفشت حبائلها في القبائل وأوصى بها الآباء والأبناء، وحملت العيشة البدوية وقلة أسباب الحياة، والطمع والجشع، والأحقاد والاستهانة بحياة الإنسان على الفتك والسلب والنهب، حتى كانت أرض الجزيرة كِفة حابل لا يدري الإنسان متى يغتال وأين ينهب. وكان الناس يُتخطفون من بين عشيرتهم في القوافل
، حتى احتاجت الدول القوية إلى الخفارة الساهرة، والبذرقة القوية (٤)، فكانت عير كسرى تبذرق من المدائن حتى تدفع إلى النعمان بن المنذر بالحيرة، والنعمان يبذرقها بخفراء من بني ربيعة حتى
_________
(١) ديون الحماسة.
(٢) انظر أيام العرب.
(٣) انظر أيام العرب.
(٤) البذرقة: الخفارة والحراسة.
1 / 62