تمجيد القومية الفارسية:
ثم يبالغون في تمجيد القومية الفارسية ويرون أن لها فضلًا على سائر الأجناس والأمم، وأن الله قد خصها بمواهب ومنح لم يشرك فيها أحدًا، وكانوا ينظرون إلى الأمم حولهم نظرة ازدراء وامتهان، ويلقبونها بألقاب فيها الاحتقار والسخرية.
عبادة النار وتأثيرها في الحياة:
كانوا في الزمن القديم يعبدون الله ويسجدون له، ثم جعلوا يمجدون الشمس والقمر والنجوم وأجرام السماء مثل غيرهم من الأوائل، وجاء زرادشت صاحب الديانة الفارسية فيقال: إنه دعا إلى التوحيد وأبطل الأصنام، وقال: إن نور الله يسطع في كل ما يشرق ويلتهب في الكون. وأمر بالاتجاه إلى جهة الشمس والنار وساعة الصلاة لأن النور رمز إلى الإله وأمر بعدم تدنيس العناصر الأربعة وهي: النار والهواء والتراب والماء، وجاء بعده علماء سنوا للزرادشتيين شرائع مختلفة فحرموا عليهم الاشتغال بالأشياء التي تستلزم النار فاقتصروا في أعمالهم على الفلاحة والتجارة، ومن هذا التمجيد للنار واتخاذها قبلة في العبادات تدرج الناس إلى عبادتها حتى صاروا يعبدونها عينًا ويبنون لها هياكل ومعابد، وانقرضت كل عقيدة وديانة غير عبادة النار وجُهلت الحقيقة ونسي التاريخ (١) .
ولما كانت النار لا توحي إلى عبّادها بشريعة ولا ترسل رسولًا، ولا تتدخل في شئون حياتهم ولا تعاقب العصاة والمجرمين أصبحت الديانة عند المجوس عبارة عن طقوس وتقاليد يؤدونها في أمكنة خاصة في ساعات خاصة، أما في خارج المعابد، وفي دورهم ودوائر حكمهم وتصرفهم، وفي السياسة والاجتماع، فكانوا أحرارًا يسيرون على هواهم. وما تملي عليهم نفوسهم، أو ما يؤدي إليه تفكيرهم. أو ما توحي به مصالحهم ومنافعهم، شأن المشركين في كل عصر ومصر.
_________
(١) انظر تاريخ إيران تأليف شاهين مكاريوس ص ٢٢١ - ٢٢٤.
1 / 45