وحراسته كان ذلك عند مزدك أهم ما تجب فيه المساواة والاشتراك.
قال الشهرستاني (١) . «أحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ» . وحظيت هذه الدعوة بموافقة الشبان والأغنياء والمترفين وصادفت من قلوبهم هوى، وسعدت كذلك بحماية البلاط فأخذ قباذ بناصرها ونشط في نشرها وتأييدها حتى انغمست إيران بتأثيرها في الفوضى الخلقية وطغيان الشهوات، قال الطبري: «افترض السّفلة ذلك واغتنموا وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم فابتلى الناس بهم وقوي أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا قباذ على تزيين ذلك وتوعدوه بخلعه فلم يلبثوا إلا قليلًا حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده ولا المولود أباه ولا يملك شيئًا مما يتسع به (٢» إلى أن قال: «ولم يزل قباذ من خيار ملوكهم حتى حملة مزدك على ما حمله عليه فانتشرت الأطراف وفسدت الثغور (٣» .
تقديس الأكاسرة:
وكانت الأكاسرة ملوك فارس يدَّعون أنه يجري في عروقهم دم إلهي، وكان الفرس إليهم كآلهة ويعتقدون أن في طبيعتهم شيئًا علويًا مقدسًا فكانوا يكفرون لهم، وينشدون
الأناشيد بألوهيتهم ويرونهم فوق القانون وفوق الانتقاد وفوق البشر، لا يجري اسمهم على لسانهم، ولا يجلس أحد في مجلسهم، ويعتقدون أن لهم حقًا على كل إنسان، وليس لإنسان حق عليهم وأن ما يرضخون لأحد من فضول أموالهم وفتات نعيمهم إنما هو صدقة وتكرم من غير استحقاق، وليس للناس قِبلهم إلا السمع والطاعة، وخصصوا بيتًا معينًا - وهو البيت الكياني
_________
(١) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٨٦.
(٢) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٨٨.
(٣) المصدر السابق.
1 / 42