لقد عرفت الفلسفة الإسلامية أفلوطين عن هذا الكتاب، ولكنه نسب خطأ إلى أرسطو، وكان ذلك علة التوفيق بين الحكيمين أفلاطون وأرسطو، ابتداء من الفارابي إلى ابن سينا، فقالوا بمراتب الوجود وتسلسلها عن الأول.
وبعد وفاة أفلوطين خلفه في رئاسة المدرسة بروما تلميذه وناشر التاسوعات وهو فرفريوس الصوري (232-305). ولد بصور وأمضى شبابه بها، وحصل كثيرا من المعارف الدينية والفلسفية في فلسطين وسوريا، ثم ذهب إلى أثينا وتعلم على لونجينوس، وانتقل إلى روما حيث التحق بمدرسة أفلوطين، وتولى رئاستها بعد موته، وتمتع بشهرة واسعة وسمعة طيبة، وحضر عليه كثير من الطلبة منهم «يامبليخوس» الذي يعد من أشهر الأفلاطونيين المحدثين في سوريا.
عرف فرفريوس في العالم العربي منذ عصر الترجمة، واستمر يؤثر في الفلسفة العربية بكتاب له يسمى «إيساغوجي» سنعود إلى الحديث عنه بعد قليل. فإذا كان العرب قد جهلوا أفلوطين بسبب ذلك الخلط الذي وقع في ترجمة كتابه، فقد عرفوا تلميذه معرفة وثيقة، وقبلوا بعض آرائه ورفضوا بعضها الآخر. ومهما يكن من شيء، فإن آراء فرفريوس في جملتها امتداد لآراء أستاذه، ولو أنه نحا بها نحوا آخر. ولهذه الشهرة عند العرب نطيل في عرض مذهبه بعض الشيء.
له مؤلفات كثيرة منها؛ «فلسفة الكهانة»، يصور فيه العبادات الدينية في هياكل الوثنيين بحسب ما كانت تمارس عند المصريين والكلدانيين والسريان. ومنها «صور الآلهة»، يدافع فيه عن الوثنية ويبين أن عبادة الأصنام لا تنطوي على كفر كما يزعم المسيحيون واليهود؛ لأنها رموز محسوسة تقرب إلى الإله. وله كتاب «الرد على النصارى» يبدو أنه كتبه بدافع سياسي؛ لأن الإمبراطور في روما أصبح يخشى تزايد قوة المسيحيين، إلى جانب المحنة التي كانت الإمبراطورية تمر بها من شيوع البؤس والفقر والخراب، وتهديد الولايات بالانفصال وانقضاض البرابرة على أطراف الإمبراطورية تمر بها من شيوع البؤس والفقر والخراب الفلسفة اليونانية، وهي القائمة على العقل، على الدين المستند إلى الإيمان. وله كذلك رسالة «في الرد على أنابو»، وهو كاهن مصري، يرد فيه على عقائد قدماء المصريين معليا شأن الفلسفة.
كان أفلوطين قد تكلم في خلود النفس وقدم أدلة جديدة خلاف أدلة أفلاطون التي ذكرها في محاورة فيدون، فقال في التاسوعات إن النفس «ليست بجرم وإنها لا تموت ولا تفسد ولا تفنى، بل هي باقية دائمة»، وإن النفس النقية الطاهرة التي لم تدنس بأوساخ البدن هي التي إذا فارقت تعود إلى الجوهر النفساني الأعلى، أما التي تتصل بالبدن وتخضع لشهواته، فإذا فارقت لم تصل إلى عالمها إلا بتعب شديد. ومعنى ذلك أن النفس - كما ذكرنا من قبل - متوسطة بين عالم العقل وعالم الهيولى، فإذا شغلت بالنظر العقلي اتصلت بعالم العقل، وإذا انغمست في الشهوات هبطت إلى عالم الهيولى. وهذا هو رأي فرفريوس كذلك، إلا أنه بدلا من الحياة العقلية الصرفة ينادي بممارسة العبادات والطقوس وطهارة النفس بالزهد والامتناع عن الشهوات.
وكان أفلوطين مثل معظم الفلاسفة الأقدمين يميز بين العالم المحسوس والمعقول، ولكنه تميز عن السابقين بمنهجه الجدلي الذي يتأمل في باطن النفس ليصعد من ذلك إلى عالم العقل، وفي ذلك يقول: «إن من قدر على خلع بدنه، وتسكين حواسه ووساوسه وحركاته، قدر أيضا في فكرته على الرجوع إلى ذاته، والصعود بعقله إلى العالم العقلي ...»
1
فأفلوطين كما نرى لا يخلط بين النفس والعقل، ولا يقول إلا بالتأمل والنظر، أما فرفريوس فإنه يشترط فضائل عملية من زهد وامتناع عن أكل اللحوم، وغير ذلك؛ كي تصعد النفس إلى عالم المعقولات. ويبدو أنه كان يقول «إن ذات النفس تصير هي المعقولات»، ولذلك اعترض عليه ابن سينا فقال: «فهذا من جملة ما يستحيل عندي؛ فإني لست أفهم قولهم إن شيئا يصير شيئا آخر، ولا أعقل أن ذلك كيف يكون ... وأكثر ما هوس الناس في هذا هو الذي صنف لهم «إيساغوجي»، وكان حريصا على أن يتكلم بأقوال مخيلة شعرية صوفية يقتصر منها لنفسه ولغيره على التخيل، ويدرس أهل التمييز على ذلك كتبه في العقل والمعقولات وكتبه في النفس.»
والذي صنف «إيساغوجي» هو فرفريوس. و«إيساغوجي» باللغة اليونانية تعني المقدمة أو المدخل. وكتابه المدخل إلى مقولات أرسطو، ألفه لتلميذه خريساريوس الذي كان يطلب العلم في مدرسة أفلوطين، وهو أحد أعضاء مجلس الشيوخ في روما، قرأ مقولات أرسطو فعجز عن فهمها، فكتب إلى فرفريوس وهو في صقلية يقص عليه أمره ويطلب عونه، فصنف له مدخلا إلى المقولات يشرح فيه الكليات الخمس؛ وهي الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام، فاشتهر الكتاب الصغير حتى وصفه العرب بأنه «سار مسير الشمس حتى يومنا هذا».
ومعنى المقولة: ما يقال عن الشيء، وهذا في غاية الأهمية في تعريف الشيء وتحديد ماهيته. ماذا نقول عن سقراط؟ (1) إنسان. (2) طويل. (3) أبيض. (4) في الدار ... إلى آخر المقولات العشر. إنسان مقولة الجوهر، طويل مقولة الكم، أبيض مقولة الكيف، وهكذا. والمقولات العشر ضرب من تصنيف الموجودات. أما الكليات الخمس؛ الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام، فإنها ضرورية للتعريف والقسمة والبرهان. فأنت تقول الإنسان: حيوان ناطق، وهو التعريف المشهور. فإنسان نوع، وحيوان جنس، وناطق فصل. وهذا التعريف يسمى الحد التام. والقسمة تقتضي تمييز الكلي إلى أجزائه، ومنها القسمة الثنائية. وهناك تقسيم للموجودات مشهور، يعرف ب «شجرة فرفريوس» نسبة إليه، وهي على النحو الآتي:
ناپیژندل شوی مخ