والمثال الأفلاطوني جمع بين الواحد الفيثاغوري، وبين الواحد البارمنيدي.
المثال الثابت الواحد هو أصل الموجودات المحسوسة المتغيرة.
هذا هو الحل السعيد الذي اهتدى إليه أفلاطون لتفسير وجود الموجودات الكثيرة المتغيرة في عالم الحس.
ولكنه فطن إلى عجز هذه النظرية وقصورها عن توضيح كثير من المشكلات التي تعرض للذهن. وقد انتقد أفلاطون نفسه، وراجع فكره، كما يتضح من محاورة بارمنيدس. وتساءل عن أصل المحسوسات: أهي «تشارك» في المثال، أم هي «محاكاة» للمثال؟ و«المشاركة» تفترض أن يكون المثال كلا، وأن يكون كل واحد من المحسوسات جزءا من هذا الكل. و«المحاكاة» تذهب إلى أن المثال أصل، ثم تتعدد المحسوسات عنه، كما تتكثر الصور في المرايا. وعندما نقلت الفلسفة اليونانية إلى العرب، أعجب الغزالي بنظرية «المحاكاة» وتشبيه النفس بالمرآة التي تنعكس على صور المثل، فاصطنع هذه النظرية في كثير من كتبه.
والمثال لأنه معقول فلا مادة فيه، والمحسوس لأنه مجسم مشخص فإنه مادي. فكيف نشأ المحسوس المادي من المعقول اللامادي؟ هذا هو جوهر المشكلة التي اضطر أرسطو - تلميذ أفلاطون - إلى حلها بقوله إن المحسوس مركب من مبدأين؛ الهيولى والصورة. والقول بأن العالم مادي، وليس معنى ذلك أن فلسفة أرسطو مادية، بل تدل على تسليمه بوجود المادة إلى جانب الصورة.
وتتدرج «المثل» عند أفلاطون حتى تقف عند ثلاثة هي؛ الحق والخير والجمال. ولا تزال هذه القسمة الثلاثية دارجة مألوفة حتى اليوم. •••
طال عمر الأكاديمية تسعة قرون؛ إذ أنشئت 327ق.م. في أثينا، وأغلق الإمبراطور جستنيان أبوابها 529 بعد الميلاد. وتقلبت في أثناء عمرها المديد في عدة أطوار هي الأكاديمية القديمة والوسطى والحديثة، ثم الأكاديمية بعد الميلاد. والتقسيم المذكور يرجع إلى مؤرخي الفلسفة من المحدثين، وهو مصطنع بعض الشيء؛ إذ الحق في ذلك أن الطابع الذي يسود المدرسة في زمن معين، إنما يرجع إلى شخصية رئيسها وتوجيهه.
تولى رئاسة المدرسة بعد موت أفلاطون أسبيسيبوس ابن أخته، الذي أتم تنظيم المدرسة في شكلها الأخير. واستمر رئيسا من 347 (أي بعد موت أفلاطون) إلى 339ق.م، وخلفه زينوقراط 339-315ق.م، ثم بوليمون 315-270ق.م، ثم أقراطس بعد 270ق.م، وينتهي معه طور الأكاديمية القديمة، التي امتازت بالسير في الطريق الذي رسمه أفلاطون. وقد لمعت في تلك الفترة أسماء كثير من العلماء والفلاسفة، نذكر منهم يودقسس، وهرقليدس، وغيرهما. ويقال إن كرانتور تلميذ بوليمون هو أول من وضع شروحا لمحاورات أفلاطون.
ثم تحولت الأكاديمية إلى نزعة الشك ، بدأت مع الرئيس أرقليساوس، الذي يعد منشئ الأكاديمية الوسطى، ثم أصبح هذا الاتجاه واضحا قويا على يد كارنيادس، وتسمى الأكاديمية في عهده (213-129ق.م.) بالأكاديمية الثالثة. وقد أرسله الأثينيون في سفارة إلى روما ونجح في مهمته.
وأكاديمية رابعة تحت رئاسة فيلون من أهل لاريسا، وقد وجهها وجهة رواقية. وأكاديمية خامسة برئاسة أنطيوخس العسقلاني (توفي 68ق.م)، الذي وفق بين الأفلاطونية والأرسطية والرواقية، وتسمى هذه الأكاديمية الخامسة عادة بالأكاديمية الجديدة.
ناپیژندل شوی مخ