Madarij Tafaqquh al-Hanbali
مدارج تفقه الحنبلي
خپرندوی
دار تكوين للدراسات والأبحاث
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م
ژانرونه
مقدمة الطبعة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين وبعد:
فبعد أن نفذت الطبعة الأولى ولله الحمد والمنة،، فها هي الطبعة الثانية، أتت بعد النظر في الطبعة الأولى، وتقويم ما ظهر لي عِوَجُه، وقد زدتُ فيها في مواضعَ عدةٍ، فأسأل الله تعالى ان أكون قد وُفِّقْتُ في عرض ما يتعلق بأهم كتب المذهب وما يتعلق أيضا بدراسته طريقة وحفظا، وأسأله تعالى أن تكون أعمالي كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن أنتفع بما كتبت ذخرا لي عنده يوم ألقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أحمد بن ناصر القعيمي
١١/ ٣/١٤٣٧ هـ
الأحساء - الهفوف
ahmaadd1434@gmail.com
1 / 13
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله الذي علَّم وأحكم، وأنعم وأكرم، والصلاة والسلام على منْ بلَّغَ وفهم، وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأوفياء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء.
وبعد: (فإنَّ أجلَّ العلومِ قدرًا، وأعلاها فخرًا، وأبْلَغَها فضيلةً، وأنجحَها وسيلةً، علمُ الشرعِ الشريفِ، ومعرفةُ أحكامِهِ، والاطلاعُ على سرِّ حلالهِ وحرامهِ، فلذلك تعيَّنَتْ إعانةُ قاصدهِ، وتيسيرُ مواردِهِ لرائدهِ، ومعاونتُهُ على تذكارِ لفظهِ ومعانيْهِ، وفهمِ عباراتِهِ ومبانيْهِ) (^١)، وجاء في معاوية ﵁ قال: قال: رسول الله ﷺ: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) (^٢)، ومن الخير الذي أراده الله - تعالى - لهذه الأمة أن جعل لها مذاهبَ كلَّها مستوحاة من كتاب الله - تعالى - ومن سنة رسوله محمد ﷺ، ومن هذه المذاهب مذهبُ الحنابلة، وهو من المذاهب التي تأخذ بيد صاحبها نحو أدلة الشريعة التي بها قوام الدين وأساسه، وقد تنوعت طرائق علمائنا الأفاضل -رحمة الله على من مات منهم وحفظ الله من بقي- في كيفية دراسة المذهب عند المتأخرين، وقد يحتار طالب العلم الحنبلي المبتدئ في كيفية دراسة المذهب عند المتأخرين، ومن أين يبدأ؟ وما هو الطريق الذي يوصله إلى فقه المذهب وأدلته وقواعده
_________
(^١) اقتباس من مقدمة الشيخ منصور البهوتي ﵀ على كشاف القناع ١/ ١ ط وزارة العدل.
(^٢) أخرجه البخاري في باب: من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ح ٧١، ومسلم في باب النهي عن المسألة ح ١٠٣٨ كلاهما من حديث معاوية ﵁.
1 / 15
وأصوله؟ وقد تمضي على الطالب السنون وهو متشتت لا يدري لماذا لم يُحَصِّل من الفقه إلا القليل؟ رغم بقاءه والتحاقه في حلقات ودورات فقهية كثيرة، ولماذا لا يستطيع تصور مسائل المتون الفقهية كما أرادها مؤلفوها؟ لماذا لم يضبط المذهب رغم حفظه لبعض متونه؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ أسئلة يجدها طالب العلم الحنبلي المجد ملحة عليه، إلى متى أسير ولم أقطع شيئًا يذكر؟
أخي في الله دعني أشاركك في هذا الْهَمِّ، أخي طالب العلم الحنبلي: إن الحياة طويلة ولكن تنبه أنها تقصر من حيث لا تشعر، تنبه أنك تسير إلى نهايتك، لا تَقُل أنا في ريعان شبابي، سأهمل، أو سأتمهل، فعمري لم يمض منه إلا القليل، وما أدراك أن ما مضى هو القليل، بل قد يكون هو الكثير، والباقي هو القليل، أخي طالب العلم إنك إن شَمَّرْتَ عن ساعد الجد وأنت صغير وحصَّلت وتفقهت ومضيت وسرت على ما أنت عليه وفيه فستكون - بإذن الله- عالم المسلمين، نعم عالم المسلمين الذي قد يحفظ الله به دينها وفقهها، نعم عالم المسلمين الذي يحتاجه الناس.
أخي طالب العلم سأذكر لك منهجًا عمليًا لدراسة مذهب الحنابلة المتأخرين فقهه وأدلته وأصوله وقواعده وفروقه وأشباهه، وسأذكر أيضًا شيئًا من النتف والفوائد خلال ذلك، وسأتطرق كذلك إلى تحقيق المذهب عند المتأخرين.
وسميت هذا المنهج بـ: (مدارج تفقه الحنبلي).
وقد كتبت هذا المنهج للمبتدئين أمثالي، وقد يستفيد منه المنتهون، وذلك لما رأيت من ذهاب وقت طويل على طالب العلم الذي لا يسير على منهج واضح ومحدد، منهجٍ له بدايةٌ يبتدئ الطالبُ منها، ونهايةٌ يحرصُ على الوصولِ إليها، والحصول عليها.
وقد أكثرت في هذا المنهج من ذكرِ الأمثلة للتوثيق، ولكي يتدرب الطالب عليها، ويستخرج أمثالها بنفسه، وليس كل ما في هذا المنهج صالحًا لكل طالب مبتدئ، فلا يصلح للمبتدئ في هذا المنهج إلا المرحلة الأولى وما
1 / 16
يتعلق بها، ولذا فأنا أنصح الطالب المبتدئ بأن لا يقرأ المرحلة الثانية الآن، بل يقتصر على قراءة المرحلة الأولى فقط؛ حتى ينتهي منها أو أكثرها؛ ثم يقرأ المرحلة الثانية وما يتعلق بها، وإنما قلت ذلك حتى لا يشوش الطالب على ذهنه، خاصة أنني قد ذكرت في المرحلة الثانية أمورا تحتاج لوقوف طويل حتى يفهمها الطالب ويستوعبها.
أخي طالب العلم: اعلم أن مؤسس ومصحح ومنقح مذهب الحنابلة المتأخرين هو الإمام علي بن سليمان المرداوي (ت ٨٨٥ هـ) -رحمه الله تعالى- وذلك في علمي أصول الفقه وفروعه، وكلُّ الحنابلة المتأخرين إنما يُعَوِّلُونَ في ترجيح المذهب عليه، ويرجعون في التصحيح إليه، وقد انتهج ﵀ منهجًا بديعًا، وأسلوبًا فريدًا في كيفية تناول ودراسة المسائل الفقهية؛ بَيَّنَه في مقدمة كتابه ... " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع "، وهذا المنهج هو الذي اخترتُه واعتمدتُه هنا لدراسة متون الفقه مع الشرح والبيان والتمثيل، وأضفت إليه ما لا يقل أهمية عما ذكره ﵀ مع المرور على كل كتب المذهب المعتمدة، ودراستها بنفس ذلك المنهج.
ومن أهم فوائد هذا المنهج: فهمُ المسائل الفقهية على ما أراده فقهاءُ الحنابلة - رحمهم الله تعالى- مع الضبط والإتقان لها الذي لا يقِلُّ أهميةً عن فهمها، حتى تتكوَّن عند الطالبِ ملكةٌ فقهية يبنيها بنفسه بعد الاطلاع المتكرر للمسائل في أكثر من كتاب، وبأكثر من طريقة، وكم وُجِدَ مَنْ عنده فهمٌ، أو قادر على الفهم الصحيح؛ لكن ليس عنده ضبط للمسائل ولا إتقان، غير قادر على التفريق بين المسائل المتشابهة، أو غير قادر على الربط بينها، أو غير قادر على معرفة نظائرها وأشباهها.
وكم استكثر بعضُ الناس تكرارَ النظرِ في المسائل في أكثر من كتاب، وقال: هذا ضياع وقت؛ أن ينظر الطالب المسائل نفسها في أكثر من كتاب.
وأنا أقول: هب أنك فهمت المسألة من أول قراءة لها في أول كتاب، فهل يُتَصَوَّرُ أن يكون هذا الفهمُ هو نفسُهُ فقط الذي سيكون مع نظرها في كتاب آخر، بل سيزداد هذا الفهمُ وضوحًا، وسيجد الناظرُ تصورًا جديدًا، وقيودًا واستثناءات، قد لا تكون موجودة في أول كتاب، بل ولا في ثاني
1 / 17
كتاب، لأن العلماء يختلفون في كيفية عرضهم للمسائل، وتناولهم لها، هذا فضلًا عن المسائل الجديدة التي تمر عليك في كل كتاب آخر ستقرأه.
وعلم الفقه من العلوم التي لا يُدرك بالنظر اليسير في كتبه، بل لابد من إطالة النظر فيه، وتكراره حتى يحصلَ الفهمُ والإدراكُ، وانظر إلى الشيخ البهوتي ﵀ شارح كتب المذهب بلا منازع، قد وضع حاشية على المنتهى ثم على الإقناع ثم شرح زاد المستقنع ثم شرح الإقناع ثم شرح المنتهى، فلو كان الشيخ يرى أنه لا فائدة من تأليفها مع تكرار نفس المسائل لاكتفى بأحدها، لكنه يعلم ﵀ أن الفقه لا يدرك بالنظر اليسير والوقوف على بعض كتبه دون بعض؛ بل لابد من إكثار النظر في كتب الفقه، وأن يُكرر ذلك؛ حتى يدرك الطالب مراميَه، ويفهمَ معانيَه.
أخي طالب العلم: لا تستعجل الثمرة، فالثمرة تحتاج لوقت طويل حتى يكتمل خلْقها ونماؤها، ويستوي نضجها، ويطيب طعمها، وعندها يحين قطفها وأكلها، وهكذا علم الفقه فلا تستعجل قطف ثمرته، نعم قد تتأخر لكنها حاصلة بإذن الله لمن جد واجتهد في تحصيلها.
وفي ختام هذه المقدمة أشكر الله تعالى أولًا وآخرًا، وأحمده حمد الشاكرين، وأستغفره استغفار المذنبين المخطئين، وأسأل الله تعالى المغفرة والرحمة الواسعة لعلمائنا الحنابلة الذين ساهموا في هذا المذهب وأثروه، وأحسنوا بيانه وبُنيانه، كما أسأله تعالى أن يجزي هذه الدولة السعودية وحكامها كل خير على ما بذلوه وأسدوه في نشر مذهب الحنابلة، والتكفل بطباعة كتبه وتوزيعها على طلبة العلم مجانًا، كما أسأل الله تعالى الرفعة والقبول لكل من ساهم في إظهار وتحقيق وطبع كتب المذهب، وأخص بذلك الشيخين الفاضلين: معالي الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ومعالي الشيخ عبدالملك ابن عبدالله بن دهيش شافاه الله وعافاه (^١)، فإن لهذين الشيخين الفاضلين فضلًا كبيرًا على الحنابلة
_________
(^١) وقد توفي الشيخ رحمه الله تعالى يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر شوال من عام أربع وثلاين وأربعمائة وألف للهجرة، وكنت كتبت هذا الكتاب قبل وفاة الشيخ بسنة تقريبا.
1 / 18
في هذا العصر لما قاموا به من تتبع كتب المذهب المعتمدة وتحقيقها وطباعتها ونشرها، فأسأل الله الكريم أن يتقبل منا ومنهم ومن كل علماء المسلمين صالح العمل، وأن يعفو عنا وعنهم الخطأ والزلل، وأن يجعل ما قدموه في ميزان حسناتهم يوم يلقونه، .
أخي يا من نظر في هذه الكتابة، هذا جهد من مُقِلٍّ حقيقة، لا مجازًا، وأعترف بالتقصير والعجز، فما قلته وكان صوابًا فمن الله تعالى وحده وله الفضل والمنة، وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان واستغفر الله تعالى منه، والعلماء بريئون من هذا الخطأ، أسأله تعالى أن يغفرَ لي، ويعفوَ عني، وعَمَّن قرأَهُ، أو نظرَ فيه، وأن يرحمَنا وأن يجعلَ أعمالَنا كلَّهَا صالحةً، ولوجهه الكريمِ خالصةً، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحمد بن ناصر القعيمي
٢٠/ ٣ / ١٤٣٥
1 / 19
تمهيد:
1 / 21
المبحث الأول: التعريف بالمذهب الحنبلي:
المذهب لغة: الطريقة والمعتقد الذي يذهب إليه (^١).
وفي الاصطلاح: عرفه ابن مفلح في أصوله بقوله: مذهب الإنسان ما قاله أو جرى مجراه من تنبيه أو غيره، ذكره عنه في الإنصاف.
ومذهب الحنابلة من مذاهب أهل الإسلام التي ارتضاها المسلمون على مر العصور، وهو مذهب متكامل متوازن، وهو أقوال للإمام أحمد بن حنبل ﵀ وذلك من خلال أسئلة تلاميذه له وأجوبته على تلك الأسئلة، ثم أثرى ذلك أتباعه تفريعًا وتخريجًا وقياسًا على نصوصه، وأصوله، وقواعده؛ حتى تَكَوَّنَ المذهبُ على أيدي كبار من أعلام الأمة كالخرقي والقاضي أبي يعلى، وأبي الخطاب، وابن عقيل، وابن الجوزي، وابن قدامة، ومجد الدين أبي البركات ابن تيمية، وحفيده شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، وابن مفلح وابن رجب، ثم انتهى المذهب إلى الإمام علي بن سليمان المرداوي فأسس مذهبَ المتأخرين وحَرَّرَهُ حتى انحصر المذهب في كتبه ثم جاء الشيخُ الحجاويُّ، والشيخُ ابنُ النجار فسبكا المذهب سبكًا فريدًا، وجمعاه في كتابيهما "الإقناع"، "والمنتهى"، ثم تفرعت المختصرات منهما.
والإمام أحمد بن حنبل الشيباني ﵁ من أعظم أئمة الإسلام على الإطلاق، ومن أشهرهم، وأعلمهم، وأفقههم، وأزهدهم، وأحفظهم لحديث رسول الله ﷺ، وقد قال عنه الإمام محمد بن إدريس الشافعي ﵁: (خرجت
_________
(^١) انظر: المعجم الوسيط.
1 / 23
من بغداد وما خلفت بها أحدًا اتقى ولا أورع ولا أفقه أظنه قال ولا أعلم من أحمد بن حنبل) (^١)
وكان الإمام أحمد (ت ٢٤١ هـ) ﵀ ينهى طلابه أن يكتبوا أقواله وفتاواه ويكره ذلك، قال ابن القيم: (ويكره أن يكتب كلامه ويشتد عليه جدا)، (وكان يقول: طوبى لمن أخمل الله ذكره)، (ومرة قال للميموني: لولا الحياء منك ما تركتك تكتبها - أي: مسائله -وإنه عليَّ لشديد، والحديث أحب أليَّ).
وقال أيضا: (كُتِبَ من كلامه وفتاواه أكثرُ من ثلاثين سفرا، ومنَّ الله سبحانه علينا بأكثرها، فلم يفتنا منها إلا القليل ... ورويت فتاويه ومسائله، وحُدِّثَ بها قرنا بعد قرن فصارت إماما وقدوة لأهل السُّنَّةِ على اختلاف طبقاتهم) (^٢).
وقال ابن الجوزي: (نظر الله - تعالى- إلى حسن قصده فنُقِلَتْ ألفاظُهُ، وحُفِظَتْ؛ فقلَّ أن تقع مسألة إلا وله فيها نص من الفروع والأصول، وربما عدمت في تلك المسألة نصوص الفقهاء الذين صنفوا وجمعوا) (^٣).
_________
(^١) انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ١/ ١٨
(^٢) انظر: إعلام الموقعين ١/ ٢٨
(^٣) انظر: مناقب الإمام أحمد ١٩١
1 / 24
المبحث الثاني: المراد بالحنابلة المتأخرين:
هم الذين في الطبقة الثالثة، ويبدأون من الإمام المرداوي (ت ٨٨٥ هـ) إلى يومنا هذا.
قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله تعالى - في المدخل المفصل (^١) ما نصه: (اصطلح متأخروا الأصحاب على تقسيم علماء المذهب الذين اشتهروا بالتأليف فيه، فاعتنوا بالرواية، وجمعها، وترتيبها، وانتخاب المذهب المعتمد منها، وقلبوا التأليف في ذلك على وجوهٍ تُقَرِّبُهُ، متنًا وشرحًا، ونظمًا، واختصارًا، وتحشية، وتحريرًا للمسائل بالاختيار والترجيح، والتحقيق والتنقيح، وما هو المعتمد في المذهب ونشر أصوله، وقواعده، وضوابطه، وهم نحو "٥٠٠" خمسمائة عالم فقيه، كل منهم له يد في التأليف في شيء من ذلك، حتى بلغ مجموع مؤلفاتهم فيه نحو "١٤٠٠" كتابًا اصطلحوا على تقسيمهم إلى ثلاث طبقات زمانية هي:
١ - طبقة المتقدمين.
٢ - طبقة المتوسطين.
٣ - طبقة المتأخرين.
فالمتقدمون (٢٤١ هـ - ٤٠٣ هـ) والمتوسطون: (٤٠٣ هـ - ٨٨٤ هـ) والمتأخرون: (٨٨٥ هـ - إلى الآخر) يبدأون من رأس المتأخرين ورئيسهم: إمام المذهب في زمانه، وجامع شتاته، ومحرر رواياته، من حقق فيه ودقق، وشرح وهذَّب: مُنَقِّحُ المذهب، العلامة المرداوي: أبو الحسن علاء الدين علي بن
_________
(^١) ١/ ٤٥٥.
1 / 25
سليمان المرداوي الصالحي، المتوفى سنة (٨٨٥ هـ) مرورًا بطبقته فمن بعدهم على توالي القرون إلى الأخر .... الخ كلامه) (^١).
تنبيه: قد قيل في تقسيم الطبقات غيرُ ذلك (^٢)،
ولكن ما ذكره الشيخ بكر ﵀ هو الذي أميلُ إليه، وأعتمدهُ، ويشهد له الواقع العملي لعلماء الحنابلة؛ فهم الآن إنما يرجحون بتصحيح العلامة المرداوي، وما تابعه عليه الشيخان الحجاوي، وابن النجار في كتابيهما (الإقناع)، و(والمنتهى)، ومهما قيل غير ذلك فهو تنظير، وليس بعملي إلا إن يراد بذلك معرفة ما يقصده بعض العلماء بذكره لـ (المتأخرين).
فالمتأخرون كلمة نسبية؛ قد يذكرها العالم ويعني بذلك المتأخرين بالنسبة له، كالبهوتي مثلا جعل صاحب الفروع والفائق وشيخ الإسلام من المتأخرين (^٣)، ونقل عن الزركشي في شرح المنتهى (^٤) أن القاضي من المتوسطين.
_________
(^١) وانظر: أيضًا في تقسيم هذه الطبقات المدخل لابن بدران ٢٠٤، والتحفة السنة للهندي ٩٤ - ١٢٨، ومقدمة في بيان مصطلحات المذهب الحنبلي له أيضًا ١٥ - ٣٣، واللآلئ البهية للشيخ محمد بن إسماعيل ٧٨ - ٨٠.
(^٢) ومن ذلك ما قاله الشيخ محمد بن عبدالرحمن السماعيل في كتابه النفيس اللآلئ البهية ص ٧٨: قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم النجدي ﵀ فقال: (المتقدمون من الإمام إلى القاضي أبي يعلى، والمتوسطون منه إلى الموفق، والمتأخرون من الموفق إلى الآخر).
ويقصد أن المتقدمين يبدأون من الإمام أحمد ﵀ وينتهون حيث يبدأ المتوسطون من الإمام أبي يعلى وطبقته وتنتهي المتوسطين حيث تبدأ طبقة المتأخرين من الإمام موفق الدين بن قدامة صاحب المغني ﵀.
والصواب: أن المتقدمين يبدأون من الإمام أحمد ﵀ حتى الإمام القاضي أبي يعلى ﵀، المتوسطون من الإمام القاضي أبي يعلى-صاحب «الأحكام السلطانية» و«شرح الخرقي» المتوفى سنة ٤٥٨ هـ ﵀-وينتهون بالإمام ابن مفلح الحفيد برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبدالله صاحب «المبدع شرح المقنع» المتوفى سنة ٨٨٤ هـ ﵀ والمتأخرون أولهم العلامة مصحح المذهب ومنقحه علاء الدين علي بن سليمان المرداوي المتوفى سنة ٨٨٥ هـ ﵀ صاحب كتاب «تصحيح الفروع» و«الإنصاف» و«التنقيح» وينتهون بالإمام منصور بن إدريس البهوتي شارح الإقناع والمنتهى والزاد والمفردات وغيرها المتوفى سنة ١٠٥١ هـ، الإمام عثمان بن أحمد النجدي صاحب «هداية الراغب شرح عمدة الطالب»، وصاحب الحاشية النفيسة على «المنتهى» المتوفى سنة ١٠٩٧ هـ ﵀ ومن أراد التوسع فعليه الرجوع إلى كتاب (مقدمة في بيان المصطلحات الفقهية على المذهب الحنبلي) للفاضل الشيخ علي بن محمد الهندي ص ٤." انتهى
(^٣) انظر: كشاف القناع ١/ ٢٥
(^٤) ١/ ٣٧.
1 / 26
المبحث الثالث: تنبيهات مهمة:
قبل البدء في ذكر كيفية دراسة المذهب، اذكر بعض التنبيهات المهمة وهي:
التنبيه الأول: يجب على طالب العلم أن يخلص النية لله تعالى في طلبه للعلم، فعليه أن يستحضر النية دائمًا، وأن طلبه للعلم إنما هو لرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، ويستذكر دائمًا في كل مرة يخرج فيها لطلب العلم قول المصطفى ﷺ (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة) (^١).
التنبيه الثاني: ينبغي لطالب العلم أن يحرص على ثمرة العلم التي هي العمل، خاصة في علم الفقه؛ لأنه لابد وأن تمر عليه عبادات واجبة ومستحبة كصلاة وزكاة وصيام وحج، وسنن رواتب وقيام ليل وصلاة ضحى ونحو ذلك، فليبادر إلى عملها ما أمكن، وأمور محرمة فيجب عليه تجنبها.
التنبيه الثالث: ينبغي لطالب العلم ألا يخلو حاله من أحد أمرين مهمين، وهما الملازمة أو المصاحبة، والكمال: الجمع بينهما.
والمقصود بالملازمة: أن يلازم شيخًا حنبليًا يُدَرِّسُه بالطريقة التي سأذكرها ولو متنًا واحدًا على الأقل، وهذا هو الأصل في أخذ العلم وهو: التلقي، قال تعالى: (وإنَّكَ لَتُلَقَّى القُرآن من لَدُنْ حَكِيم عَلِيم) سورة النمل آية ٦.
_________
(^١) أخرجه الإمام مسلم برقم ٨٤٦٧ (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر.
1 / 27
وفوائد ملازمة الأشياخ كثيرة جدًا:
منها: أن طلب العلم على الأشياخ هي طريقة السلف الصالح.
ومنها: أن الدراسة على الشيخ بركة للشيخ والطالب، فقد يفتح على الشيخ - في الدرس - من العلوم والفوائد ما لا يفتح عليه لو كان لوحده، ويحصل ذلك أيضًا للطالب.
ومنها: أن فيها توفيرًا للوقت والجهد خاصة إذا كان الشيخ ملمًا بالمذهب على أصوله.
ومنها: أن فيها كسرا لغرور الطالب وأنه مهما بلغ من العلم فإن هناك من هو أعلم منه.
والمقصود بالمصاحبة: أن يتخذ طالبُ العلم صاحبًا له يعينه على طلب العلم، ولا بد أن تتوفر فيه الصفات التي تصلح للسير في طريق طلب العلم.
وفوائد المصاحبة كثيرة:
منها: أن كلًا منهما يرفع همة صاحبه في طلب العلم، وأنه لو فتر أحدهما رفع همتَه الآخرُ.
ومنها: ملء الفراغ الذي يكون في غير وقت القراءة على الشيخ.
ومنها: أن فيها مدارسة للعلم بين صاحبين، وهذا يجعل الطالب يتكلم بما لا يستطيع قوله عند الشيخ، وكذلك تصحيح كل واحد منهما للآخر ما أخطأ فيه صاحبه.
والكمال: أن تجمع بين المصاحبة والملازمة فلا يوجد أكثر فائدة منها فاحرص - وفقك الله - على ذلك أشد الحرص.
التنبيه الرابع: لابد لطالب العلم أن يرتبط ببرنامج خاص له إذا انفرد لوحده، بحيث يكون له ما يقرأ فيه أحد كتب المذهب في المنزل، إذا اعتذر شيخُه أو صاحبُه، أو في وقت ليس فيه درس لشيخه، ولا مدارسة مع صاحبه، وكذا لو سافر مثلًا.
التنبيه الخامس: حرك قلمك: لابد لطالب العلم من الكتابة فقد يذكر
1 / 28
الشيخ صورة مسألة مثلًا أو قيدًا أو شرطًا لم يذكره الكتاب المقروء ولا شرحه، فلابد من تقييده، وكذلك قد تكون بينك وبين صاحبك مدارسة وتنتهيان إلى تحرير صورة مسألة مثلًا أو تحرير المذهب في مسألة ما بعد جهد وعناء طويلين ومراجعة كتب وحواشٍ كثيرة، فقيد ذلك في كتابك لأن ذلك إذا فات صعب الحصول عليه مرة أخرى، وكذا لو حصل مثل ذلك في قراءتك لوحدك فقيد ذلك في كتابك.
وما أجمل ما فعله العلامة أحمد بن محمد بن منقور (ت ١١٢٥ هـ) لما نهاه شيخه العلامة عبد الله بن ذهلان (ت ١٠٩٩ هـ) عن الكتابة في الدرس؛ فكان يكتب ويقيد ما يسمعه بعد الفراغ من الدرس، قال ﵀ في مقدمة كتابه "الفواكه العديدة في المسائل المفيدة " (^١):
(وبعد: فهذه مسائل مفيدة، وقواعد عديدة، وأقوال جمة، وأحكام مهمة، لخصتها من كلام العلماء، ومن كتب السادات القدماء، وأجوبة الجهابذة الفقهاء، غالبُها بعد الإشارة من شيخنا وقدوتنا الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان، بَلَّ اللهُ بالرحمة ثراه، وجعل جنة الفردوس مأواه؛ لزيادة فائدة، أو تقرير قاعدة، أو إيضاح إشكال، أو جواب سؤال، أو اطلاع على خلاف من كلام الأئمة الأشراف، ومسائل قررها في مجلس الدرس وغيره؛ فأحببت أن أضبط كلامه، بعضَه بالحرف، وبعضَه بالمعنى، تذكرةً لنفسي، وتبصرة لأبناء جنسي عن الاختلاف عندي، وطلبًا للانتفاعِ بعدي، وبيانِ مسائل فيها إشكال عليه، أو ثقل لديه؛ لئلا يتوهم فيها مَنْ يَظُنُّهَا واضحةً ظاهرةً، أو يُقَيِّضُ اللهُ لها مَنْ يكشفُ عنها حُجُبَها الساترةَ؛ لحديث: (قيدوا العلم بالكتابة) (^٢).
وفي آداب الحنفية: من حفظ فر، ومن كتب قر (^٣).
_________
(^١) ١/ ٣
(^٢) قال الألباني في السلسلة الصحيحة ٥/ ٤٣: صحيح بمجموع طرقه انتهى؛ لكن بلفظ (قيدوا العلم بالكتاب).
(^٣) هكذا في النسخة التي عندي للفواكه العديدة، والمشهور: (ما حفظ فر، وما كتب قر).
1 / 29
وقال هلال بن يسار: حدث النبي ﷺ بحديث، فقلت أعده لي، قال: (هل معك محبرة)، قلت: ما معي محبرة، قال: (لا تفارقها؛ فإن الخير فيها وأهلها إلى يوم القيامة).
وذكر ابنُ مفلح في آدابه: أن عصام بن يوسف اشترى قلما بدينار ليكتب ما سمع في الحال.
وفي مسائل أبي داود: كان يحي بن يمان يحضر عند سفيان، ومعه خيط، فكلما حدَّثَ سفيانُ بحديثٍ؛ عَقَدَ عقدةً، فإذا رجع إلى البيت، كتب حديثًا وحَلَّ عُقْدةً انتهى.
وكذا فعل الشيخُ شهابُ الدين بن عطوة مع ذكائه، وحفظُه حالَ قراءتِه على شيخِه أحمد بن عبدالله العسكري، قال: ولم يأذن لي في الكتابة في الدرس، فكنت أعقله بعده، فاحتجت إلى أن أكتب بعض كلامه بالمعنى، وهكذا فعلت (^١)، ولنا فيه أسوة، مع أن من ذُكِرَ أجلَّ وأفضلَ، وأعلمَ وأنبلَ؛ لكن لكل زمانٍ ما يُناسِبُه، وإن الذي يأتي شر منه ..، فكنت وقت قراءتي على الشيخ المذكور في "الإقناع" أسمع منه تقريرا وتحريرا؛ فإذا قمت عن المجلس؛ كتبته لئلا يختلف عليَّ بعضُ الكلام فيما يأتي من الأيام والأعوام).
_________
(^١) أي: ابن منقور يتكلم الآن عن نفسه.
1 / 30
الفصل الأول: (المرحلة الأولى) دراسة المتون الخمسة والروض المربع:
1 / 31
المبحث الأول: كتب المرحلة الأولى:
١ - أخصر المختصرات للشيخ محمد بن بدر الدين بن بلبان (ت ١٠٨٣ هـ).
٢ - عمدة الطالب للشيخ منصور البهوتي (ت ١٠٥١ هـ).
٣ - دليل الطالب للشيخ مرعي الكرمي (ت ١٠٣٣ هـ)
٤ - كافي المبتدي للشيخ محمد بن بدر الدين بن بلبان (ت ١٠٨٣ هـ).
٥ - زاد المستقنع للشيخ موسى الحجاوي (ت ٩٦٨ هـ)
٦ - الروض المربع شرح زاد المستقنع للشيخ منصور البهوتي (ت ١٠٥١ هـ).
الأهداف المراد تحقيقها:
١ - معرفة معاني كلمات المسألة.
٢ - معرفة صورتها على ما يذكره المؤلف بصورة تكاملية أو شبه تكاملية (^١).
٣ - معرفة حكمها.
٤ - معرفة دليل المسألة، مع وجه الدلالة من الدليل لتلك المسألة.
_________
(^١) معرفتها بصورة تكاملية: هو معرفة صورة المسألة وكل ما يتعلق بها من قيود وشروط وأركان مع معرفة المسائل التي لها علاقة بها، وأما معرفتها بصورة شبه تكاملية فذلك بأن يعرف صورتها وبعض ما يتعلق بها.
1 / 33
ينبغي لطالب العلم أن يهتم بهذه الأهداف اهتمامًا بالغًا، ويحاول ألا ينتقل إلى مسألة حتى يفهم التي قبلها، وهي في البداية قد تكون ثقيلة وصعبة، ولكن مع الممارسة يكون الأمر سهلًا جدًا.
1 / 34
المبحث الثاني: كيفية العمل في هذه المرحلة:
١ - يبدأ الطالب بحفظ أحد المتون الخمسة الأولى، أو يحدد له متنًا يلتزم به بحيث يكثر من قراءته ويجعل له فيه وردًا يوميًا.
وأولى المتون المختصرة بالحفظ وأعظمها نفعا وفائدة هو متن"زاد المستقنع"، ثم يأتي بعده متن " دليل الطالب " ثم "أخصر المختصرات" ثم عمدة الطالب وكافي المبتدي.
ونظرا لزهد كثير من طلبة العلم في حفظ متون الفقه، وزاد ذلك ما يشيعه بعض المشايخ من أنه لا ينبغي حفظ كلام البشر كالمتون الفقهية مما صير حفظ متون الفقه بين طلبة العلم نادرا إلا من رحم الله تعالى، وأقول: إن حفظ متون الفقه من أكبر الوسائل المعينة على الفهم والضبط والإتقان، ويعين أيضا على استحضار المسائل وتصورها، كما أن حفظ المتون هي سنة الفقهاء؛ قديما وحديثا وسأذكر أسماء بعضهم:
فقد حفظ الشيخ الموفق ابن قدامة (ت ٦٢٠ هـ) " مختصر الخرقي " (^١)، وحفظ الشيخ ابن مفلح (ت ٧٦٣ هـ) صاحب " الفروع " كتاب " المقنع " (^٢)، وحفظ الشيخ علي بن سليمان المرداوي شيخ المذهب (ت ٨٨٥ هـ) كتاب " المقنع " (^٣)، وحفظ الشيخ محمد بن أحمد الفتوحي المشهور بابن النجار
_________
(^١) انظر: ذيل الطبقات لابن رجب الحنبلي ٣/ ٢٨٣.
(^٢) انظر: السحب الوابلة ٣/ ١٠٩٢.
(^٣) انظر: السحب الوابلة ٢/ ٧٤٠.
1 / 35
صاحب كتاب " المنتهى " (ت ٩٧٢ هـ) حفظ كتاب " المقنع "وغيره (^١)، وحفظ الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز (ت ١٢١٦ هـ) متن "زاد المستقنع " (^٢)، وحفظ الشيخ عبدالرحمن السعدي (ت ١٣٧٦ هـ) متن " دليل الطالب "، وحفظ سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت ١٣٨٩ هـ) متن " زاد المستقنع " (^٣)،
وحفظ الشيخ عبدالله بن حميد (ت ١٤٠٢ هـ) متن " زاد المستقنع "، وحفظ الشيخ محمد بن عثيمين (ت ١٤٢١ هـ) متن " زاد المستقنع " (^٤)، وحفظ شيخنا الشيخ عبدالعزيز اليحيى (ت ١٤٣٤ هـ) (^٥) متن " زاد المستقنع "رحم الله الجميع.
_________
(^١) انظر: السحب الوابلة ٢/ ٨٥٤.
(^٢) انظر: السحب الوابلة ٣/ ٩٧١.
(^٣) انظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية جمع وترتيب وتحقيق: الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم ١/ ١٥، وقال عنه في ص ١٣: (في بداية درسه: يطلب من بعض الطلاب أن يبدأ بالبسملة والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ والترحم على المؤلف، ثم يتلو حفظا موضوع الدرس إذا كان الكتاب متنا، ويحرص جدا على أن يحفظ جميع الطلاب المنتظمين المتون ولا يرضى بنصف حفظ، ولا ينتقل الطالب من متن إلى متن أطول منه إلا بعد حفظ الأول وفهمه، ولذا كان الطالب المجد منهم يتخرج في سبع سنوات) ..
(^٤) من فتاوى الشيخ ابن عثيمين كتاب العلم ص ٩٢
(^٥) شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن يحيى بن عبدالله اليحيى ولد ﵀ في الأحساء عام ١٣٤٧ هـ وحفظ القرآن الكريم ودرس الفرائض والنحو عند الشيخ محمد الملا، ودرس التوحيد والفقه والنحو عند الشيخ عبدالله بن دهيش، والشيخ مشعان بن ناصر المنصور، ثم انتقل للرياض وواصل دراسته عند الشيخ محمد بن إبراهيم ثم تخرج من كلية الشريعة وعين قاضيا في الجبيل ثم الثقبة ثم الخبر ثم رئسيا لمحاكم الأحساء حتى تقاعد عام ١٤١٧ هـ وكان يحفظ في العقيدة كتاب التوحيد والأصول الثلاثة، وفي الحديث بلوغ المرام، وفي الفقه زاد المستقنع ونظم المفردات، وفي الأصول قواعد الأصول ومعاقد الفصول للبغدادي، وفي النحو ألفية ابن مالك، وكان ﵀ يجعل له وقتا يأتيه أحد الموظفين، ووظيفته: أن يراجع مع الشيخ محفوظاته وذلك كل يوم عصرا، وكان يقرأ كل يوم جزأ واحدا من القرآن الكريم ويكرره في اليوم مرتين أخبرني بذلك تلميذه البار الشيخ عبدالله بن حواس الحواس، وكان بابه مفتوحا لطلاب العلم خاصة في الصبح من كل يوم خميس، وكان يحب طلاب العلم كثيرا ويدنيهم، وكان أيضا محبا للعلم ودروسه، ويُقرأ عليه في العقيدة والتفسير والفقه والحديث وغيرها، وكان ﵀ فقيها، حافظا أديبا متحدثا لغويا ماهرا ذكيا مهيبا، وقد انتهى المذهب الحنبلي إليه في الأحساء، وتوفي ﵀ رحمة واسعة يوم الأحد الحادي عشر من شهر الله المحرم من عام ١٤٣٤ هـ، وعمره ٨٦ سنة أسكنه الله الفردوس الأعلى من الجنة وجمعنا وإياه فيها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
1 / 36