وسنرى أنه ليس بمعقول أن تكون هذه القصيدة أول شعره؛ لأن فيها من القوة ما يقطع بأنها ليست بداية شعرية، وإنما هي صرخة شاعر فحل طال منه الصيال. (4)
نترك طفولة الكميت وصباه، ونذكر أن شاعريته ملأت الدنيا ضجيجا، وأصبح في عصره وبعد عصره مضرب الأمثال، فقد عرض بديع الزمان الهمذاني لاسمه في رسالة الذهب والأدب فقال:
واحتيج في البيت، إلى شيء من الزيت، فأنشدت ألفا ومائتي بيت، من شعر الكميت، فلم يغن.
وعني ابن الأعرابي بدرسه، وكان ابن الأعرابي لا يشغل نفسه إلا بالشعراء الفحول الذين يعرفون الأنساب، أو يمتون بعرق إلى الأساليب الجاهلية، وكان الجاهليون عندهم أئمة البيان.
ولم يعن ابن الأعرابي بدرس شعر الكميت فحسب، بل كان يذكر به من يغفلون عنه حين يعرضون عليه ما عرفوا من معاني الشعراء.
2
وقد شهد له الفرزدق بقوة الشاعرية، فإنه لما قدم الكوفة أسرع إليه الكميت، فقال له: إني قد قلت شيئا فاسمعه مني يا أبا فراس، قال: هاته، فأنشده قوله في أهل البيت:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب
ولم تلهني دار ولا رسم منزل
ناپیژندل شوی مخ