279

مدایح نبوي

المدائح النبوية في الأدب العربي

ژانرونه

واهتمامه بتدوين ما أثر عن أهل زمانه يؤيد هذا الرأي، فهو يوجز حين يستشهد بكلام القدماء، ويطنب حين يستشهد بكلام المحدثين. (8)

أما نثر الحموي فهو مملوء بالصنعة والزخرف، وفيه إشارات كثيرة إلى مصطلحات النحو والفقه والعروض، ويكفي هذا الشاهد في وصف البحر حين ركبه من الشام إلى مصر سنة 802ه. «وأبثك ما لاقيت من أهوال البحر، وأحدث عنه ولا حرج، فكم وقع المملوك من أعاريضه في زحاف تقطع منه القلب لما دخل إلى دوائر تلك اللجج، وشاهدت منه سلطانا جائرا يأخذ كل سفينة غصبا، ونظرت إلى الجواري الحسان، وقد رمت أزر قلوعها وهي بين يديه لقلة رجالها تسبى، فتحققت أن رأي من جاء يسعى في الفلك غير صائب، واستصوبت هنا رأي من جاء يمشي وهو راكب، وزاد الظمأ بالمملوك وقد اتخذ في البحر سبيله، وقد قلت من شدة الظمأ: يا ترى قبل الحفرة أطوي من البحر هذه الشقة الطويلة!

وهل أباكر بحر النيل منشرحا

وأشرب الحلو من أكواب ملاح؟

بحر تلاطمت علينا أمواجه حتى متنا من الخوف، وحملنا على نعش الغراب، وقامت واوات دوائره مقام مع، فنصبنا للغرق لما استوت المياه والأخشاب، وقارن العبد فيه سوداء استرقت مواليها وهي جارية، وغشيهم منها في اليم ما غشيهم، فهل أتاك حديث الغاشية؟ واقعها الريح فحملت بنا، ودخلها الماء فجاءها المخاض، وانشق قلبها لفقد رجالها، وجرى ما جرى على ذلك القلب ففاض، وتوشحت بالسواد في هذا المأتم، وسارت على البحر وهي مثل، وكم سمع فيها للمغاربة على ذلك التوشيح زجل ... إن نقر الموج على دفوفها لعبت أنامل قلوعها بالعود، وترقصنا على آلتها الحدباء فتقوم قيامتنا من هذا الرقص الخارج ونحن قعود، وتتشامم وهي كما قيل: أنف في السماء واست في الماء، وكم تطيل الشكوى إلى قامة صاريها عند الميل وهي الصعدة الصماء، فبها الهدى وليس لها عقل ولا دين، وتتصابى إذا هبت الصبا وهي ابنة مائة وثمانين، وتوقف أحوال القوم، وهي تجري بهم في موج كالجبال، وتدعي براءة الذمة، وكم أغرقت لهم من أموال. هذا وكم ضعف نحيل خصرها عن تثاقل أرداف الأمواج، وكم وجلت القلوب لما صار لأهداب مجاديفها على مقلة البحر اختلاج، وكم أسبلت على وجنة البحر طرة قلعها فبالغ الريح في تشويشها، وكم مر على قريتها العامرة فتركها وهي خاوية على عروشها ... إلخ.»

16

وتلك كتابة كثيرة الافتنان، ولكنها قليلة المحصول. (9)

قلت: إن خزانة الأدب تمتاز بجمعها لطرائف كثيرة من أدب القرن الثامن، فلنذكر من شواهد ذلك ما أشار إليه المؤلف من معاني ابن نباتة التي أخذها الصلاح الصفدي، قال ابن نباتة:

ومولع بفخاخ

يمدها وشباك

ناپیژندل شوی مخ