269

مدایح نبوي

المدائح النبوية في الأدب العربي

ژانرونه

3

والذي يهمنا هو قصيدته البديعية وشرحها الذي سماه: «خزانة الأدب»، ولتلك القصيدة وذلك الشرح أهمية عظيمة، أما القصيدة فلجودتها بين البديعيات، وأما الشرح فلجمعه طرائف كثيرة من أدب القرن الثامن، وتكاد خزانة الأدب تعد من أجمل ما صنف في ذلك العهد، ولا يوازيها في الجمال إلا شرح لامية العجم للصفدي، فهذان المصنفان جمعا أخبارا كثيرة من أدب القرن الثامن، وهو في الواقع أدب هزيل، ولكن مؤرخ الأدب يحتاج إلى التعرف إلى جميع الفنون الأدبية، الغث منها والسمين.

ومن غريب ما لاحظت أنني أجد أنسا بهذين الكتابين قد لا أجده عند قراءة كتاب الأغاني، وقد جهدت في تعليل ذلك، ثم تبينت أن غرابة هذا الأدب من أسباب جاذبيته، فأكثر ما درسناه وما تلقيناه عن الأساتذة لا يكاد يخرج عما صنف في العصور الذهبية، ولو شئت لأضفت إلى ذلك أن هذين المصنفين يهتمان في الأغلب بأدب أهل مصر، وأهل الشام، ومزاج الأديب المصري مكون من هذين الأدبين، فلا بدع أن يجد عند الحموي والصفدي روحا لا يجده عند الأصفهاني. (3)

يحدثنا الحموي في صدر «خزانة الأدب» عن الظروف التي نظم فيها بديعيته فيقول:

وبعد فهذه البديعية التي نسجتها بمدحه

صلى الله عليه وسلم

على منوال «طرز البردة» كان مولانا المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي المخدومي الناصري سيدي محمد بن البارزي الجهني الشافعي صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة - جمل الله الوجود بوجوده - هو الذي ثقف لي هذه الصعدة، وحلب لي ضرعها الحافل لحصول هذه الزبدة، وما ذاك إلا أنه وقف بدمشق المحروسة على قصيدة بديعية للشيخ عز الدين الموصلي - رحمه الله تعالى - التزم فيها بتسمية النوع البديعي، وورى بها من جنس الغزل ليتميز بذلك على الشيخ صفي الدين الحلي - تغمده الله تعالى برحمته - لأنه ما التزم في بديعيته بحمل هذا العبء الثقيل، غير أن الشيخ عز الدين ما أعرب عن بناء بيوت أذن الله أن ترفع، ولا طالت يده لإبهام العقادة إلى شيء من إشارات ابن أبي الأصبع، وربما رضي في الغالب بتسمية النوع، ولم يعرب عن المسمى ونثر شمل الألفاظ والمعاني لشدة ما عقده نظما، فاستخار الله مولانا الناصري المشار إليه، ورسم لي بنظم قصيدة أطرز حلتها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحلي برقة السحر الحلال الذي ينفث في عقد الأقلام، فصرت أشيد البيت، فيرسم لي بهدمه، وخراب البيوت في هذا البناء صعب على الناس، ويقول: بيت الصفي أصفى موردا، وأنور اقتباسا. فأسن كل ما حده الفكر، وأراجعه ببيت له على المناظرة طاقة، فيحكم لي بالسبق وينقلني إلى غيره وقد صار لي فكرة إلى الغايات سباقة، فجاءت بديعية هدمت بها ما نحته الموصلي في بيوته من الجبال، وجاريت الصفي مقيدا بتسمية النوع وهو من ذلك محلول العقال.

وفي هذه الكلمات تصريح بأن نظم البديعية كان مما اقترحه الفقيه الكاتب محمد بن البارزي بعد أن وقف بدمشق على بديعية عز الدين الموصلي، وفيها أيضا تعريف بالطريقة التي نظمت بها البديعية، فقد كان الحموي ينظم والبارزي ينقد، وكانت المفاضلة بين بديعية الموصلي والحلي والحموي مما يهتم به ذلك الفقيه الأديب، فكان لا يسمح للناظم بالانتقال من بيت إلى بيت إلا بعد الاطمئنان إلى تفوقه على الموصلي والحلي، وذلك كله يبين ما في بديعية الحموي من التكلف والافتعال. (4)

والحموي - وإن نظم البديعية إجابة لاقتراح البارزي - كان من المولعين بنظم المدائح النبوية، وله في ذلك قصيدة اسمها: «أمان الخائف» قال في أولها:

شدت بكم العشاق لما ترنموا

ناپیژندل شوی مخ