معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
ژانرونه
وذكر الطبري عن ابن الراوندي أنه كان لا يستقر على مذهب، ولا يثبت على حال، حتى إنه صنف لليهود كتاب البصيرة ردا على الإسلام، لأربعمائة درهم أخذها - فيما بلغني - من يهود سامرا، فلما قبض المال رام نقضه حتى أعطوه مائة درهم أخرى، فأمسك عن النقض، ويروى أنه اجتمع مع أبي علي الجبائي يوما على جسر بغداد، فقال له: «يا أبا علي، ألا تسمع شيئا من معارضتي للقرآن ونقضي له؟» فقال له: «أنا أعلم بمخازي علومك وعلوم أهل دهرك، ولكن أحاكمك إلى نفسك، فهل تجد في معارضتك له عذوبة وهشاشة وتشاكلا وتلازما ونظما كنظمه وحلاوة كحلاوته؟» قال: «لا، والله» قال الجبائي: «قد كفيتني، فانصرف حيث شئت.»
وكان من كتبه الكفرية: كتاب «التاج» يحتج فيه لقدم العالم، أي إن الله لم يخلقه من عدم، وكتاب «الزمرذة» يحتج فيه على الرسل، ويبرهن على إبطال الرسالة، وكتاب «الفرند» [وكثيرا ما يرد باسم «الفريد»] في الطعن على نبي الإسلام عليه السلام، وكتاب «اللؤلؤة» في تناهي الحركة، وكتاب «الدامغ» يتهجم فيه على الله تعالى، بمثل قوله: إن الخالق ليس عنده من الدواء إلا القتل، فعل العدو الحنق الغضوب، فما حاجته إلى كتاب ورسول؟ وله كتاب «القضيب» [وقد يرد باسم «القصب»] ... ولقد جاء ذكر ابن الرواندي هذا وكتبه عند أبي العلاء المعري في رسالة الغفران، فسخر منه المعري سخرية مرة، وكان مما قاله عن كتب ابن الراوندي: «وأما «القضيب» فمن عمله أخسر صفقة من قضيب»، والإشارة هنا لرجل كان اسمه القضيب يحكى عنه أنه اشترى قوصرة تمر، وكان فيها بدرة، فلحقه بائعها فاستردها، وكان مع قضيب سكين، فقتل نفسه حسرة على البدرة الضائعة، «وأما «الفريد» [وحقيقة اسم الكتاب «الفرند»]، فأفرده من كل خليل، وألبسه في الأبد برد الذليل»، «وأما «المرجان» فإذا قيل إنه من صغار اللؤلؤ، فمعاذ الله أن يكون «مرجانه» صغار حصى ... وإنما هو مرجان؛ من مرجت الخيل بعضها مع بعض، وتركتها كالمهملة في الأرض، أو لعله مرجان؛ من جنى الشجرة، أو مرجان من الشياطين الفجرة»، وحسبك أن يكون هذا رد فعل المعري عن الرجل وكتبه، بعد أن كان قد مضى عليه نحو قرن من الزمان، لتعلم أي دوي أحدثه في رجال الفكر والثقافة لفترة طويلة من الزمن.
45
ولنقف وقفة قصيرة عند كتاب واحد من كتبه تلك، وهو كتاب «الزمرذة» أو «الزمرذ» لنذكر لمحة من محتواه، تكون كاشفة عن طبيعة ما في سواه، وسوف يكون مرجعنا فيما نذكره هو البحث الذي قام به «بول كراوس»، والذي نقله إلى العربية الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه «من تاريخ الإلحاد في الإسلام».
كان المصدر الذي أخذت منه الفقرات المقتبسة من كتاب «الزمرذ»، ليس هو الكتاب نفسه، بل كان مصدرها هو ما ورد في «المجالس المؤيدية» للمؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران الشيرازي الإسماعيلي، داعي الدعاة في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، وهو نفسه داعي الدعاة الإسماعيلي الذي حفظ لنا ياقوت مراسلاته مع المعري، وأما كتابه «المجالس المؤيدية» فهو من ثمانية مجلدات تحتوي على ثمانمائة مجلس، هي عبارة عن محاضرات ألقاها مؤيد وهو في القاهرة، ولم يكن لهذه المحاضرات موضوع واحد، بل تنوعت موضوعاتها من شرح العقيدة الإسماعيلية إلى بسط للمسائل السياسية والدينية، وكان مما ورد ذكره في تلك المحاضرات كتاب «الزمرذ» لابن الراوندي، فقد أخذ في مجالسه ما جاء عنه في كتاب داع إسماعيلي غير مذكور الاسم، وهو كتاب أورد اقتباسات كثيرة من كتاب «الزمرذ» ليناقشها ويرد عليها، تكفي للإلمام بمحتوى هذا الكتاب الأخير «الزمرذ» ما دام النص الكامل مفقودا، وسنقتصر فيما يلي على بعض النصوص المأخوذة من «الزمرذ» وطريقة الرد عليها في «المجالس المؤيدية»:
قال ابن الرواندي: «إن البراهمة يقولون إنه قد ثبت عندنا وعند خصومنا أن العقل أعظم نعم الله سبحانه على خلقه، وأنه هو الذي يعرف به الرب ونعمه، ومن أجله صح الأمر والنهي والترغيب والترهيب؛ فإن كان الرسول يأتي مؤكدا لما فيه من التحسين والتقبيح والإيجاب والحظر، فساقط عنا النظر في حجته وإجابة دعوته، إذ قد غنينا بما في العقل عنه، والإرسال على هذا الوجه خطأ، وإن كان بخلاف ما في العقل من التحسين والتقبيح، والإطلاق والحظر، فحينئذ يسقط عنا الإقرار بنبوته.»
كان هذا كلام ابن الراوندي عن النبوة، ونختصر ما فيه بلغة أوضح؛ فهو يقول: إما أن تكون رسالة النبي متفقة مع العقل أو مخالفة له، فإذا كانت متفقة كنا في غنى عنها؛ لأن عقولنا تكفينا، وإذا كانت مباينة له فلسنا بحاجة إليها؛ لأننا نريد أن يكون للعقل زمامنا، وإذن فهي في كلتا الحالين رسالة لا تدعو إليها حاجة.
وفي الرد على الفقرة السالفة عن النبوة، يقول صاحب «المجالس المؤيدية» بعد أن قرأ النص على الحاضرين: «الجواب وبالله التوفيق: أما قوله: ثبت عندنا وعند خصومنا أن العقل أعظم نعم الله سبحانه على خلقه فنقول: إنه قطع على قول لم يحرره؛ وذلك أن العقل كامن في الصورة البشرية كمون النار في الزناد، فلو بقي ما بقي في مضماره عادما لمن يستخرجه ويستدرجه، لم يقع انتفاع به، كالنار الكامنة في الحجر والحديد، لا يستنفع بها ولا يحظى بطائل من خيرها ما عدمت القادح، والذي يقع من الفعل المكمون - في الصورة الآدمية - موقع قادح الزناد هم الأنبياء ... فهم أولى بأن يسموا عقلا؛ لاستخلاصهم العقول من الصورة البشرية، وإخراجهم إياها من حد القوة إلى الفعل.»
قال ابن الراوندي: إن الرسول أتى بما كان منافرا للعقول، مثل الصلاة، وغسل الجنابة، ورمي الحجارة، والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر، والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران، وهذا كله مما لا يقتضيه عقل، فما الفرق بين الصفا والمروة إلا كالفرق بين أبي قبيس وحرى، وما الطواف على البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت، إن الرسول شهد للعقل برفعته وجلالته، فلم أتى بما ينافره إن كان صادقا؟
فنقول وبالله التوفيق: إن الرسول صلى الله عليه وآله بعثه الله سبحانه لينشئ النشأة الأخيرة كما أن الوالدين ينشئان أولادهما النشأة الأولى ... وقد وجدنا الوالدين موضوعهما قطع الأولاد عن العادة البهيمية، وكسبهما الأخلاق الإنسانية؛ استخلاصا للنطق فهما منهما، وهو ما يقع الفرقان به بين البهائم وبينها، وإفادة للحياء وحسن الشمائل التي لا قبل للبهائم بمثلها، ولو أنهم كفوا عن رياضتهم هذه الرياضة لخرجوا أشباه البقر والغنم؛ نقول: إن الأنبياء - صلوات الله عليهم - يسلكون بتابعيهم الذين ينشئونهم النشأة الثانية للدار الآخرة مسلك الآباء والأمهات بأولادهم، فيخرقون عليهم العادات الطبيعية ... ولما كان خارجا عن العادات الطبيعية أن يقوم أحد إلى طهارة ويتوجه إلى قبلة ويقوم بصلاة يقصد بجميعها عبادة ربه سبحانه، أوجب الرسول ذلك كله خرقا للعادات الطبيعية ...
ناپیژندل شوی مخ