معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
ژانرونه
لقد قضت على ابن جني نظرته العقلية المنطقية الخالصة إلى اللغة، أن يتصور الاشتقاق على كل ما يمكن تخريجه منطقيا من الأصل، بغض النظر عما سمع من تلك الصور الممكنة وما لم يسمع، فليست العبرة بما استعمله العرب فعلا من مشتقات، بل العبرة بما يمكن أن يستعملوه، ليس المعول على ما قد وقع بالفعل، بل المعول على ما يمكن أن يقع، هذه هي النظرة المنطقية الخالصة إلى الأمور، وإن شئت فقل: هذه هي النظرة الرياضية المحض؛ إذ ما الفرق بين التصور المنطقي أو الرياضي وبين التصوير للواقع الفعلي؟ الفرق هو هذا؛ في الحالة الأولى ترسم إطارا للممكن، وفي الحالة الثانية تتقيد بالواقع، ولا ينبغي أن يفوتك هنا أن الأمر الواقع هو حالة واحدة من حالات كثيرة كانت ممكنة الحدوث، خذ هذا المثل للتوضيح: افرض أن معك كتابين، أحدهما أخضر الغلاف والآخر أسوده، وافرض كذلك أنك قد وضعتهما أمامك بحيث يكون الأخضر فوق الأسود، فهذه هي الحالة الواقعة لهما، لكن الحالات الممكنة منطقيا أو رياضيا أكثر من ذلك؛ فقد كان يمكن للأسود أن يكون هو الأعلى، وكان يمكن أن يتجاورا، وعندئذ يكون للتجاور عشرات الصور الممكنة - ولنعد بعد ذلك إلى ابن جني في نظرته إلى اللغة نظرة عقلية رياضية (ولنذكر أن مثل هذه النظرة العقلية إلى اللغة وإلى النحو كانت تيارا متصلا عند الأقدمين، يسايره تيار آخر يجعل معوله على الاستعمال الفعلي لا على مجرد الإمكان العقلي، ولقد سبق لنا أن ذكرنا ذلك عند حديثنا عن الخليل وسيبويه من أعلام البصرة في القرن الثامن الميلادي (وقد كان يساير تيار البصرة العقلي ذاك تيار يأخذ بتقليد المسموع وكان مقره الكوفة))؛ أقول: لنعد بعد ذلك إلى ابن جني ونظرته العقلية إلى اللغة، فهو ينظر إلى الصور الممكنة، فإذا سأله سائل: وما السر في أن أهمل العرب استخدام بعض هذه الصور واكتفوا ببعض؟ أجاب: أكثر المتروك متروك لاستثقال نطقه، لا لاستحالة استعماله، فمن ذلك - مثلا - ما رفضوا استعماله لتقارب حروفه مثل «ظث» (ج1، ص54).
ولكننا ونحن نعرض النظرة العقلية لابن جني، لا يسعنا إلا أن نقف في شيء من الحيرة، عندما نجده في موضع من كتابه يقول: إنه إذا تعارض القياس العقلي مع ما جاء عليه المسموع وجب الأخذ بالمسموع؛ لأنها «لغتهم» شريطة ألا تقيس على الشاذ المسموع بعد ذلك - لكنها حيرة سرعان ما تزول، ما دمنا ننتبه جيدا إلى هذا الشرط الأخير، وهو ألا نقيس على المسموع إذا كان خارجا على ما يقتضيه القياس، وبهذا نجمع إلى احترام العقل احترام ما قد جرى به الاستعمال عند أصحاب اللغة الأولين؛ يقول في هذا المعنى: «إذا تعارض السماع والقياس نطقت بالمسموع على ما جاء عليه، ولم تقسه في غيره ...» (ج1، ص117). وفي موضع آخر يقول: «واعلم أنك إذا أداك القياس إلى شيء ما، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره، فدع ما كنت عليه إلى ما هم عليه، فإن سمعت من آخر مثل ما أجزته، فأنت فيه مخير، تستعمل أيهما شئت» (ج1، ص125).
ويلقي ابن جني على نفسه سؤالا ليحاول الإجابة عليه إجابة على أساس المنطق العقلي: لماذا يكثر الأصل الثلاثي في اللغة العربية؟ فيجيب: «... إن الأصول ثلاثة: ثلاثي، ورباعي، وخماسي، فأكثرها استعمالا وأعدلها تركيبا الثلاثي؛ وذلك لأنه حرف يبتدأ به وحرف يحشى به، وحرف يوقف عليه، وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه حسب، لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه؛ لأنه أقل حروفا، وليس الأمر كذلك ... وأقل منه [أي من الثنائي] ما جاء على حرف واحد ... فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه - لعمري - ولشيء آخر، وهو حجز الحشو، الذي هو عينه، بين فائه ولامه، وذلك لتباينهما، ولتعادي حاليهما، ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا متحركا، وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنا؟ فلما تنافرت حالاهما وسطوا العين حاجزا بينهما، لئلا يفجئوا الحس بضد ما كان آخذا فيه ومنصبا إليه» (ج1، ص55-56).
ثم يستدرك ابن جني على ما قد يعترض به من أن الحشو إذا كان متحركا، كانت النقلة منه إلى اللام الساكنة فيها نقلة من الحركة إلى السكون أو كانت ساكنة، كانت النقلة من الفاء إليها فيها نقلة من الحركة إلى السكون كذلك، فيقول - ردا على مثل هذا الاعتراض لو وجه إليه: إذا كانت العين متحركة، أحدثت الحركتان [أي حركة الفاء والعين] مللا يهيئ النفس لقبول السكون بعد ذلك، وإذا كانت العين ساكنة، فانتقالك منها سيخفف السكون ولا يجعله كسكون الوقف» (ص57).
ويتابع ابن جني حديثه عن الثلاثي ولماذا كان أكثر الأصول استعمالا، فيلحظ لنا أنه أخف من الرباعي ومن الخماسي، فبينما الثلاثي يتركب منه ستة أصول، ترى الرباعي يتركب منه أربعة وعشرون أصلا يكثر فيها المهمل، والخماسي يتركب منه مائة وعشرون أصلا، لا يستعمل منها إلا القليل.
ومما يدل على أن مدار الاستعمال أو الإهمال ليس هو ما يجوز عقلا وما لا يجوز، بل هو ما يستثقله العربي عند النطق وما يستخفه، أقول: إنه مما يدل على ذلك أنك لا تجد في الثنائي - على قلة حروفه - ما أوله مضموم إلا القليل (فاذكر أن الفتحة أخف نطقا على العربي من الضمة، ومثل الضمة في الثقل الواو)، وإنما عامة الثنائي على الفتح، نحو: هل، بل، عن، كم ... (ص69).
وكذلك قل عن جميع ما جاء من الكلم على حرف واحد؛ عامته على الفتح إلا الأقل، وذلك نحو همزة الاستفهام، واو العطف، فاء العطف، لام الابتداء، كاف التشبيه ... إلخ (ص71).
36
ويطرق ابن جني موضوعا آخر، هو الإيجاز والإطالة، أيهما أقرب إلى الطبع العربي، وفي ذلك يروي عن أبي عمرو أنه سئل : «أكانت العرب تطيل؟» فقال: «نعم، لتبلغ.» قيل: «أفكانت توجز؟» قال: «نعم، ليحفظ عنها، واعلم أن العرب - مع ما ذكرنا - إلى الإيجاز أميل، ومن الإكثار أبعد» (ص83).
فبالرغم من أن مقتضى الحال قد يوجب الإطالة أحيانا، والإيجاز أحيانا أخرى، فإنه إذا تعادل العاملان، وترك العربي نفسه عندئذ على سجيتها، آثر الإيجاز؛ «إنهم إذا كانوا في حال إكثارهم وتوكيدهم مستوحشين منه، ... علم أنهم إلى الإيجاز أميل، وبه أعنى، وفيه أرغب، ألا ترى إلى ما في القرآن وفصيح الكلام من كثرة الحذوف؛ كحذف المضاف، وحذف الموصوف، والاكتفاء بالقليل من الكثير، كالواحد من الجماعة، وكالتلويح من التصريح؟ فهذا ونحوه - مما يطول إيراده وشرحه - مما يزيل الشك عنك في رغبتهم فيما خف وأوجز، عما طال وأمل» (ص86).
ناپیژندل شوی مخ