148

معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې

المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري

ژانرونه

من هذه الحركات اللاعقلية نشأت ردود عقلية، فنشأت جماعات المعتزلة تناصر الإسلام بقوة العقل. (21)

كانت الكوفة مقر الخليفة المنصور حين ثارت عليه الراوندية، فكره المكان، وخرج بنفسه يرتاد له موضعا يسكنه هو وجنده، فكان أن اختار مكانا أقيمت عليه ما سمي بعدئذ باسم بغداد سنة 765م. الموكب العقلي العظيم في بغداد. «بيت الحكمة» (832م) في عهد المأمون. المأمون يستجلب مجموعة مختارة من كتب الأقدمين المخزونة في بلاد الروم. نقل هذه الكتب إلى العربية . أساطير تشيع في الناس وتدل على اهتمامهم بالكتب العلمية. وقفة داخل بيت الحكمة لنرى ماذا يحدث فيها؛ ثلاثة رجال من أسرة مسيحية واحدة: حنين بن إسحاق، وابنه إسحاق بن حنين، وابن أخيه حبيش بن الحسن؛ يقومون بترجمة الكتب العلمية من اليونانية إلى العربية. الشبه من حيث الموقع الثقافي بين حنين بن إسحاق قديما ورفاعة الطهطاوي حديثا. هل تسربت اليونانية المنقولة إلى شرايين الثقافة العربية أو اقتصرت على صفوة المثقفين؟ ترى ما الدافع الحقيقي للمأمون أن ينهض بحركة الترجمة عن ثقافة اليونان؟ عن السؤال الأول نقول إن الظاهر هو أن الثقافة الغربية المنقولة لم تمس جماهير الناس، كان المفكر الذي يتنصل علنا من العلم اليوناني يظفر بطيب السمعة عند جمهور الناس، وأما عن السؤال الثاني فيحتمل أن يكون الدافع الحقيقي لنقل الثقافة اليونانية بهذا الحماس الذي شهدناه هو إما محاربة الثقافة الفارسية القديمة، وإما محاربة الثقافة العربية الصميمة؛ فالأولى كان يرتكز عليها متعصبو الفرس، والثانية كان يرتكز عليها المتعصبون للدولة الأموية، وكلا الفريقين ذميم في عين الخلافة العباسية. (22)

لا يكفي أن نسأل: أي الجوانب الثقافية نقل العرب عن اليونان، بل لا بد أن نسأل كذلك: ماذا صنع العرب بما نقلوه؛ فقد نقلت الثقافة اليونانية القديمة إلى العرب وإلى أوروبا، فأنتجت نتيجتين مختلفتين فيما يقول المستشرق الألماني «كارل هينرش بكر»، فقد صادفت عند نقلها إلى العرب أفكارا من جنس غير جنسها، وأما عند نقلها إلى أوروبا فقد أضافت عددا آخر من أسرة حضارية واحدة تتفق في جنس التفكير حديثها مع قديمها. نحن الآن نترجم عن أوروبا، وننقل عنها بالمشاهدة والتدريب مما تغيرت له وجوه حياتنا العملية، لكن الأقدمين - في رأينا - عندما ترجموا عن اليونان لم يتغير من حياتهم العملية إلا القليل. فوارق عميقة في وجهة النظر نشأت بالتربية بين ما يسمى بالشرق وما يسمى بالغرب. (23)

وقفتنا بعد خروجنا من بيت الحكمة كانت مع جماعة المعتزلة؛ لنرى فيم يفكرون وكيف يفكرون، وهم أقرب الناس تأثرا بالثقافة اليونانية المنقولة، كبار المعتزلة عندئذ (القرن التاسع الميلادي) كانوا في البصرة، فلنعد إلى البصرة حينا لننصت إليهم، مع «العلاف» شيخ المعتزلة، صاحب «الملل والنحل» يروي عنه عشر مسائل: المسألة الأولى عن ذات الله وصفاته، والثانية عن الإرادة الإلهية، والثالثة عن أمر «التكوين» في قوله تعالى: «كن» لما يريد له أن يكون، والرابعة عن حرية الاختيار عند الإنسان، والخامسة عن امتناع الحركة في الآخرة، والسادسة عن الرابطة بين القلب والجوارح عندما يهم الفاعل بفعل، والسابعة عن وجوب أن يعرف الإنسان ربه معرفة قائمة على العقل وأدلته، والثامنة عن تحديد الآجال، والتاسعة فيها عودة إلى الإرادة الإلهية، والعاشرة مسألة منهجية يشترك بها العلاف ألا تقبل حجة إلا إذا استندت آخر الأمر إلى وحي من الله ينزل على ولي معصوم، وهذه النقطة الأخيرة كفيلة بهدم موقف العلاف العقلي. المشكلات التي تعرض لها العلاف خاصة بعصره، لا يكاد يمتد إلينا منها إلا ما يمس حرية الإرادة. (24)

وقفة مع النظام في البصرة، وهو تلميذ العلاف. التلميذ يتفوق على أستاذه. يذكر صاحب «الملل والنحل» ثلاث عشرة مسألة تميز بها «النظام»؛ الأولى عن حرية الإرادة الإنسانية، رأيه بأن الله لا يجوز وصفه بالقدرة على فعل الشر؛ يكاد «النظام» يعاصرنا في الفكر حين يرد على معارضيه، فيقول إنه لا فرق بين أن نقول إن الله غير قادر على فعل الشر، وأن أقوله إنه قادر على فعله لكن لا يفعله؛ إذ هو في كلتا الحالتين لا يفعله، ولا يكون للعبارة معنى إلا بما تتضمنه من فعل؛ والمسألة الثانية خاصة بالإرادة الإلهية، يقول فيها إن هذه الإرادة لا تكون مطلقة منفصلة عن الشيء المراد، فلا إرادة إلا وهي موصولة بفعل؛ والمسألة الثالثة هي مما تجعله معاصرا لنا في الفكر، إذ يجعل بها الحركة أساسا لكل ما في الوجود، جسما كان أو عقلا أو إرادة؛ والمسألة الرابعة خاصة بتعريف الإنسان، وهو أنه إنسان بنفسه وروحه لا ببدنه، على أن تفهم النفس أو الروح على أنها مجموعة استعدادات لوظائف معينة يمكن أداؤها؛ وهذه فكرة أخرى تجعله قريبا من فكر عصرنا؛ والمسألة الخامسة يبين فيها الحدود الفاصلة بين قدرة الله وقدرة الإنسان، مناقشة هذه الفكرة؛ وفي المسألتين السادسة والسابعة يقرب «النظام» من إحدى مدارسنا الفلسفية المعاصرة، وهي التي تجعل حقيقة الشيء مجموعة ظواهره؛ تعليق على فكرته؛ لكنه يعود في المسألة الثامنة فيناقض نفسه إذ يجعل الكائنات منبثقا بعضها من بعض؛ لشرح ذلك قدمنا شروحا للمصطلحات الفلسفية الآتية: الجوهر، العرض، العلاقات الداخلية، العلاقات الخارجية؛ «النظام» في المسألتين السادسة والسابعة كان من طراز «هيوم»، لكنه في المسألة الثامنة من طراز «ليبنتز»؛ المثل الذي ساقه «النظام» لشرح فكرته هو نفسه الذي ساقه ليبنتز لشرح الفكرة عينها، وأعني مثل آدم وبنيه؛ فلو حللنا آدم لوجدنا أفراد الإنسانية جميعا؛ وتأتي المسألة التاسعة وهي خاصة بإعجاز القرآن؛ تناقض نلاحظه في تعليله للإعجاز؛ وأما المسألة العاشرة ففيها في بيان بأنه لا بد من إمام معصوم لشرح غوامض القرآن؛

تركنا «العلاف» و«النظام» وعلى الشفاه سؤالان: هل يقدمان لعصرنا شيئا؟ وهل كانا متأثرين بما نقل عن اليونان؟ الجواب عندي بالنفي في كلتا الحالتين، وليس يعيبهم أن تختلف مشكلاتهم عن مشكلاتنا، وألا يكونوا تزودوا بزاد كثير من علوم اليونان؛ على أننا نستطيع محاكاتهم في الوقفة العقلانية من المسائل المعروضة. (25)

عودة إلى بغداد. الجاحظ - كسائر عمالقة الفكر - يمتص في نفسه ثقافة عصره ليتناولها بالنقد ابتغاء تحويلها. الجاحظ مثل فولتير في سخريته وفي عقلانيته، هو نقطة التحول في الثقافة العربية؛ من ثقافة محورها الشعر إلى ثقافة محورها النثر ، إلى التحول من الوجدان إلى العقل، من البداوة إلى الحضارة المدنية. الجاحظ غني الفكر فلم تكن به حاجة إلى بريق اللفظ في خواء، وليس في كتابته ما يثقل على السمع أو على النفس أو ما يخفي شخصيته وراء كثرة الشواهد كما كانت الحال عند غيره، الجاحظ يعرض الفكرة ونقيضها ليخلص من المقارنة إلى رأي واضح، ينشد اليقين عن طريق الشك. رسالة «المعاش والمعاد» فيها توجيه في الأخلاق المحمودة. المنفعة عنده أساس الفضيلة. هذا المبدأ وحده من تراثنا يبيح لنا أن نرفض من التراث ذاته ما ليس ينفع عصرنا. تفرقة الجاحظ بين «التواني» و«التوكل»؛ فالأول لا يجوز لعاقل، وأما الثاني فلا يجوز إلا بعد أن نستنفد جهدنا ف «نتوكل» بعد ذلك. الجاحظ يرسم طريق السير العاقل؛ تحديد للهدف أولا، فتنظيم الخطوات الموصلة إليه ثانيا. لا بد أن يجيء «تخطيط» السير بحيث نكون على ثقة بما ينتج لنا آخر الأمر. التخطيط المرسوم بدقة لا يحتاج إلى «شجاعة» في تنفيذه، وإنما تطلب الشجاعة حيث تكون المغامرة، وهذه لا تكون إلا حين نصدر في سلوكنا عن «ترجيح» للنتائج المنشودة، لا عن «يقين». رسالة «كتمان السر وحفظ اللسان» تكاد تصور عصرنا كما صورت عصر الجاحظ. كلام جيد في كتمان السر. رسالة «في الجد والهزل» يتحدث فيها عن حالة الغضب ماذا تفعل بصاحبها، ثم يتحدث عن وجوب أن يكون للفظ ما يشير إليه. (26)

كتاب «الحيوان» للجاحظ، مقارنة بين «الشعر» الذي هو خاصة العرب و«الكتاب» الذي هو خاصة اليونان؛ الشعر لا يترجم فينحصر في أصحابه، وأما الكتاب فيترجم وتتسع دائرته. وجهة نظر الجاحظ في الترجمة وشروطها. إذا كان الجاحظ وهو يعيش في عصر الترجمة على غير ثقة بجدواها، فنحن نتساءل عن الدافع الحقيقي إليها؛ أهو دافع سياسي لإحداث البلبلة في قيمة الثقافة العربية الأصيلة حين يوضع إلى جوارها فكر يوناني غزير المادة؟ ينتقل الجاحظ من الحديث عن الترجمة إلى الحديث عن الكتاب أيا كان. شروط الأسلوب الجيد. وقفات نافذة من الطبيعة البشرية. الحرية وقيمتها الكبرى لكرامة الإنسان. نماذج من كتابته عن الحيوان في كتاب «الحيوان». مناظرة الكلب والديك وما وراءها من هدف خبيء. (27)

خصائص التأليف عند الجاحظ. سيطرته على الثقافتين العربية الأصيلة والأجنبية المنقولة بالترجمة. تفضيله للأولى عند المفاضلة .

الفصل الخامس: زجاجة المصباح (28)

ناپیژندل شوی مخ