معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
ژانرونه
نقطتان نريد هنا أن نعلق عليهما؛ الأولى: إذا كنت قد رأيت بعض من كتبوا في علم الطبيعة - كجابر بن حيان مثلا - قد «اعترف بخواص» هي أعجب مما ذكرته سابقا (ليلحظ القارئ أن الغزالي لم يكن قد أسلف إلا أمثلة لا تثير أي تعجب؛ إذ أسلف مثلين: مثل الأفيون وخاصته في التبريد، ومثل النار تحرق بلدة بأكملها)، أقول: إنك إذا كنت قد رأيت من علماء الطبيعة من ذكر في كتبه خواص المربعين اللذين بينت لنا شكليهما، على أنهما ذوا تأثير في معالجة الحامل التي عسر عليها الوضع، فقد كان الأولى - بدل أن تستشهد بذلك على عجز العقل عن إدراك هذه الأمور وإحالتها إلى نور النبوة - كان الأولى أن تقف أحد موقفين، فإما أن تخرج صاحب هذا الزعم من زمرة علماء الطبيعة، وإما أن تخرج هذه الخرافة من علم الطبيعة، أما أن تسلم بصدق ما هو مرجح الكذب، ثم تجعله هو نفسه حجة على ما تريد إثباته، فذلك ما لا نوافق عليه. وأما النقطة الثانية التي نريد التعليق عليها، هي هذه الموازنة القريبة بين خواص المربعين المذكورين في تسهيل عملية الوضع، وبين خواص ركعات الصلاة من حيث عددها، فقد يحق لنا، بل يجب علينا أن «نؤمن» بأن وراء عدد الركعات المفروضة حكمة، ربما ظهرت لنا وربما خفيت، ولكن من ذا الذي يوجب علينا الاعتقاد بصحة ما يزعمونه عن خواص المربعين السابقين في تيسير الولادة العسرة؟ لو قلنا إن هذه الخواص «مجربة»، كما ورد في النص الغزالي المذكور، فلماذا تكون «عجيبة»، كما ورد عنها أيضا في النص نفسه؟ إن العلم الطبيعي كله مؤلف من «مجربات»، ولا مبرر «للعجب» من أي ظاهرة أثبتتها التجربة.
ويختم الغزالي كلامه في سياق الحديث الذي ننقله للقارئ، بموازنة أخرى أشد عجبا، خلاصة ما ورد فيها هي أنه يخاطب قوما لو قيل لهم على لسان نبي صادق مؤيد بالمعجزات لم يعرف قط بالكذب إن هنالك حكمة إلهية في أعداد الركعات وفي رمي الجمار، وعدد أركان الحج، وسائر تعبدات الشرع، لأنكروا لك من جانب العقل، على حين أنهم إذا قال لهم منجم إن قراءة الطالع تدل على أن أحدا منهم لو لبس ثوبا جديدا في وقت معين، قتل في ذلك الثوب، لرأيتهم مصدقين لما قاله المنجم، مع أنه قد كذب في أحكامه قبل ذلك مائة مرة. يريد الغزالي بهذه الموازنة أن يقول لمن يوجه إليهم الخطاب: إنه إذا كان قول المنجم مقبولا عندكم برغم تعرضه للكذب، وبرغم كونه مجاوزا لحدود «العقل»، أفليس الأولى بالقبول قول النبي في حكمة أشياء قد تجاوز هذه الأخرى حدود المعقول؟
كتب الغزالي ما كتبه دفاعا عن «اللامعقول»، وهو حر في اختيار موقفه، وأحسبنا بدورنا أحرارا إذا اخترنا ألا نقبل من تراثهم إلا المعقول وحده؛ لأنه - دون اللامعقول - هو الذي يجاوز حدود مكانه وزمانه، فما قد قبله العقل يوما، فإنه يقبله كل يوم، وأما ما أرضى اللاعقل فينا يوما، فقد لا يرضيه حين تتغير الظروف.
فهرس تحليلي
القسم الأول: طريق العقل
الفصل الأول: خطة السير (1)
لا بد من إطار يجمع الأشتات. (2)
العقل طريق من عدة طرق. طريق العقل يتميز بتسلسل خطواته المؤدية إلى الهدف المقصود. ما كل سلوك إنساني على هذا النمط الهادف. تتميز الوقفة العقلية بأنها مقيدة بالروابط السببية، أما الوقفة العاطفية فتختار ما هو محبب إلى النفس. ليس الإنسان مسيرا بالعقل وحده، اللهم إلا في استثناء مثل سقراط. حدوث الصراع بين العقل والهوى. الناس صنفان: من يغلب عليه العقل ومن تغلب عليه العاطفة. (3)
طريقنا في هذا الكتاب هو اختيار الجانب العقلي وحده من تراثنا الفكري. وصل الحاضر بالماضي لا يتحقق إلا عن طريق الجانب العاقل. العاطفة قد تتعلق في عصر بما لا تتعلق به في عصر آخر. طريق العقل الذي اخترناه ليس هو الأشكال المنطقية المجردة، بل هو المواقف الفعلية في حالات نبضها، والتي عالجها السلف بمنطق العقل لا باندفاع العاطفة. الإدراك السليم في حل المشكلات ليس كله أقيسة أرسطية، الإدراك السليم قد يأتي عفوا، وقد يكون إدراكا بالبصيرة اللامحة. فرق بعيد بين رجلين: أحدهما يطمئن نفسه بالخرافة، وثانيهما يلتمس سند العقل؛ في التراث العربي هذا الصنفان من الرجال، وسنعنى بالصنف الثاني منهما دون الأول. (4)
آية النور وتأويل الإمام الغزالي لها تصلح لهدايتنا في خطوات السير. في هذه الآية وصف لدرجات الإدراك السليم، وقد تكون هي الدرجات التي يتم بها النمو العقلي في الفرد وفي الجماعة. متابعة تراثنا الفكري على هدى هذه الدرجات، فلكل درجة منها عصر تمثلت فيه. «النور» هو قوة الإدراك، وأول درجات الإدراك حس بالحواس، وتلك هي المرموز لها في الآية بالمشكاة، داخل المشكاة مصباح يرمز إلى العقل الذي يدرك المعاني من وراء المحسوسات، يساعد العقل في إدراكه قوة الخيال، وهي التي ترمز إليها الآية بالزجاجة المحيطة بالمصباح. المصدر الذي يستمد منه الخيال قوته «شجرة مباركة» ترمز إلى الروح الفكري الذي يؤلف بين العلوم العقلية، وإلا بقيت المعلومات أشتاتا لا تنفع. الشجرة المباركة هي بمثابة «المبدأ» الذي يهتدي به السالك، ليست الشجرة المباركة بحاجة إلى مصدر سواها تستمد منه القوة؛ فهي مضيئة بزيتها، كأنما قصد بها الإدراك بالبصيرة النافذة، فهو وحي من الله.
ناپیژندل شوی مخ